كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 5)

(ص) : (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ مِثْلَ طَعَامِهِ بِمَكِيلَتِهِ مِنْ صِنْفِهِ، وَإِنَّمَا الطَّعَامُ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يَرُدُّ مِنْ الذَّهَبِ الذَّهَبَ وَمِنْ الْفِضَّةِ الْفِضَّةَ وَلَيْسَ الْحَيَوَانُ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ فِي ذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ السُّنَّةُ وَالْعَمَلُ الْمَعْمُولُ بِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَدَيْنِ لَمْ تَذْهَبْ أَكْثَرُ مَنَافِعِهِ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ عَمْدًا أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ عَمْدًا خُيِّرَ رَبُّهُ بَيْنَ أَخْذِ مَا نَقَصَهُ أَوْ يُضَمِّنَهُ جَمِيعَهُ.
قَالَ أَشْهَبُ إذَا أَذْهَبَ قَطْعُ يَدِهِ الْوَاحِدَةِ أَكْثَرَ مَنَافِعِهِ فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ إلَّا قِيمَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُذْهِبْ أَكْثَرَ مَنَافِعِهِ فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فَعَلَى هَذَا يَتَنَوَّعُ الْفَسَادُ عِنْدَ مَالِكٍ نَوْعَيْنِ يَسِيرٌ يَجِبُ بِهِ مَا نَقَصَ وَلَيْسَ لَهُ تَضْمِينُهُ، وَكَثِيرٌ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ فَمَرَّةٌ قَالَ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِيمَةُ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ فِيمَنْ قَطَعَ رِجْلَيْ عَبْدٍ أَوْ يَدَيْهِ أَوْ فَقَأَ عَيْنَيْهِ فَقَدْ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ كُلُّهَا وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَخْتَارَ إمْسَاكَهُ وَيَأْخُذَ مَا نَقَصَهُ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْعَبْدِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمَرَّةً قَالَ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ وَمَا نَقَصَ أَوْ أَخْذِ قِيمَتِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِلَى هَذَا رَجَعَ مَالِكٌ فِي الْفَسَادِ الْكَثِيرِ وَيَتَنَوَّعُ الْفَسَادُ عَنْ أَشْهَبَ إلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا يَسِيرٌ لَيْسَ إلَّا مَا نَقَصَ وَالثَّانِي أَنْ يَنْقُصَ الْكَثِيرُ وَلَا يَذْهَبُ أَكْثَرُ الْمَنَافِعِ فَهَذَا يَكُونُ صَاحِبُ السِّلْعَةِ مُخَيَّرًا عَلَى مَا ذُكِرَ، وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَ أَكْثَرَ الْمَنَافِعِ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ إلَّا الْقِيمَةُ.
وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الثَّوْبِ وَالْعَبْدِ إذَا كَانَ لَهُ تَضْمِينُهُ الْقِيمَةَ بِكَثْرَةِ الْفَسَادِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَأْخُذَ مَا نَقَصَهُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُهُ بِحَالِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ جَمِيعِهِ وَكَذَلِكَ ذَابِحُ الشَّاةِ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَهَا لَحْمًا وَيَأْخُذَ مَا نَقَصَهَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ عَنْ غَيْرِ الْعَيْنِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ سِلْعَتَهُ وَبَعْضَ الْقِيمَةِ وَلَا يَأْخُذَ غَيْرَ الْقِيمَةِ إلَّا بِاجْتِمَاعٍ مِنْهُمَا عَلَى أَمْرٍ جَائِزٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَنْ يَأْخُذَهَا نَاقِصَةً دُونَ شَيْءٍ فَذَلِكَ لَهُ، وَاحْتَجَّ أَشْهَبُ أَنَّهُ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ فِي الْيَسِيرِ كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ فِي الْكَثِيرِ أَنْ يَأْخُذَ سِلْعَتَهُ وَمَا نَقَصَهُ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ: إنَّ مَنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ تَعَدِّيًا فَإِنَّ عَلَيْهِ مِثْلَهُ فِي الْكَيْلِ وَالصِّفَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْكَيْلِ، وَكَذَلِكَ مَا يُوزَنُ وَيُعَدُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْلُومِ الْقَدْرِ فَإِنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ لِحَوْزِ صُبْرَتِهِ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مِثْلَ مَا حُوِّزَ فِيهَا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عَنْ صُبْرَتِهِ حِنْطَةَ أَكْثَرَ مِنْهَا أَوْ أَقَلَّ فَيُؤَدِّي إلَى التَّفَاضُلِ فِي الطَّعَامِ.
(فَرْعٌ) وَهَذَا قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَأَمَّا إذَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ فَقَدْ رَوَى سَحْنُونٌ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ غَصَبَ صُبْرَةَ قَمْحٍ فَأَرَادَ الْغَاصِبُ أَنْ يُصَالِحَ مِنْهَا عَلَى كَيْلٍ مِنْ الْقَمْحِ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَلْزَمَ الْغَاصِبَ الْقِيمَةَ بِحُكْمٍ أَوْ صُلْحٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ كَيْلًا مِنْ الْقَمْحِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلِرَبِّهَا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا عِشْرُونَ إرْدَبًّا وَيَأْخُذَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُصَالِحَهُ مِنْ الْمَكِيلِ عَلَى مَا لَا شَكَّ فِيهِ يُرِيدُ لَا شَكَّ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ حَقِّهِ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ غَصَبَ خَلْخَالًا فِضَّةً وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ خَلَطَ قَمْحًا لِرَجُلٍ بِشَعِيرٍ لِغَيْرِهِ ضَمِنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ طَعَامِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَتْلَفَ عَيْنَ طَعَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَنَعَهُ الْوُصُولَ إلَى قَبْضِهِ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجَانِي مَالٌ بِيعَ الطَّعَامُ الْمَخْلُوطُ وَاشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثْلَ طَعَامِهِ قَالَهُ أَشْهَبُ قَالَ: فَإِنْ فَضُلَ شَيْءٌ فَلِلْجَانِي، وَإِنْ نَقَصَ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ صَاحِبَا الطَّعَامِ أَنْ يَتْرُكَا طَلَبَ الْجَانِي وَيَأْخُذَا الطَّعَامَ وَيَقْتَسِمَانِهِ بَيْنَهُمَا.
وَقَدْ جَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَاخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الِاشْتِرَاكِ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَشْتَرِكَانِ فِي الطَّعَامِ الْمُخْتَلَطِ أَحَدُهُمَا بِقِيمَةِ قَمْحِهِ وَالْآخَرُ بِقِيمَةِ شَعِيرِهِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيهِ إلَّا عَلَى السَّوَاءِ إنْ كَانَتْ مَكِيلَةَ طَعَامِهِمَا سَوَاءٌ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى التَّفَاضُلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ

الصفحة 276