كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 5)
(ص) : (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ إذَا اسْتَوْدَعَ الرَّجُلُ مَالًا فَابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَرَبِحَ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ الرِّبْحَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إلَى صَاحِبِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQضَرَرٌ أَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ فِي لُجِّ بَحْرٍ أَوْ سَفَرٍ بَعِيدٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ حَيْثُ اسْتَهْلَكَهُ يَأْخُذُهُ بِهِ حَيْثُ لَقِيَهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الطَّعَامُ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَرُدُّ مِنْ الذَّهَبِ الذَّهَبَ وَمِنْ الْفِضَّةِ الْفِضَّةَ وَذَلِكَ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ لَا يَخْلُوَانِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْ الْقَدْرِ أَوْ غَيْرَ مَعْلُومَيْ الْقَدْرِ فَإِنْ كَانَتَا مَعْلُومَيْ الْقَدْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَصُوغٍ أَوْ مَصُوغًا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَصُوغٍ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ تِبْرًا أَوْ مَضْرُوبًا فَإِنَّ هَذَا فِيهِ الْمِثْلَ يَرُدُّ مِنْ الذَّهَبِ ذَهَبًا، وَمِنْ الْفِضَّةِ فِضَّةً فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ؛ لِأَنَّ التَّمَاثُلَ فِيهَا مَوْجُودٌ غَيْرُ مَعْدُومٍ، وَإِنَّمَا يَعْدِلُ إلَى الْقِيمَةِ إذَا عُدِمَ التَّمَاثُلُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ كَانَ الذَّهَبُ أَوْ الْفِضَّةُ مَصُوغَيْنِ فَإِنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الصِّيَاغَةِ إنْ كَانَ الْمُسْتَهْلَكُ ذَهَبًا فَقِيمَتُهُ مِنْ الْفِضَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِضَّةً فَقِيمَتُهُ مِنْ الذَّهَبِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصِّيَاغَةَ مِنْ جُمْلَةِ مَا اُسْتُهْلِكَ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَالتَّمَاثُلَ مُتَعَذِّرٌ فِيهَا لَا سِيَّمَا مُرَاعَاةُ جِنْسِ فِضَّتِهَا؛ لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تُضْرَبُ إلَّا بَعْدَ رَدِّهَا إلَى التَّمَاثُلِ فِي الْجِنْسِ، وَالتَّمَاثُلُ فِي السِّكَّةِ غَيْرُ مَعْدُومٍ، وَأَمَّا الصَّائِغُ فَلَا يَعْتَبِرُ فِي وُجُودِ مَا يَصُوغُهُ شَيْئًا بَلْ يَتَفَاوَتُ جَوْدَةُ مَا يُصَاغُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ فِيهَا التَّمَاثُلُ، وَكَذَلِكَ جِنْسُ مَا يُصَاغُ مِنْهُ يَبْعُدُ فِيهِ التَّمَاثُلُ فَلِذَلِكَ لَزِمَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى سِوَارَيْنِ لِغَيْرِهِ فَهَشَّمَهُمَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ: عَلَيْهِ قِيمَةُ الصِّيَاغَةِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَلَيْسَ كَالْفَسَادِ الْفَاحِشِ فِي الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الصَّنْعَةَ.
وَقَالَ أَشْهَبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُوغَهُمَا لَهُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيهِمَا وَفِي الْجِدَارِ يَهْدِمُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصُوغَهُمَا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِمَا مَصُوغَيْنِ وَمَكْسُورَيْنِ وَلَا أُبَالِي قُوِّمَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا نَقَصَتْهُمَا الصَّنْعَةُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ عَلَى الذَّهَبِ، وَإِنَّمَا تَعَدَّى عَلَى الصِّيَاغَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ.
وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُوغَهُمَا لَهُ؛ لِأَنَّ الصِّيَاغَةَ عِنْدَهُ مِمَّا لَهَا مِثْلٌ وَلِذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ اسْتَهْلَكَهُمَا لَا أُلْزِمُهُ مِثْلَهُمَا؛ لِأَنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ذَهَبِهِ أَوْ أَقَلُّ وَفِي الْكَثِيرِ إنَّمَا يَصُوغُ ذَهَبَهُمَا نَفْسَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَ غَيْرُ مُتَخَلِّصٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَهَبٍ مِثْلِهِ وَيَصُوغَ مِثْلَ تِلْكَ الصِّنَاعَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَلَيْهِ مَا نَقَصَتْهُمَا الصِّيَاغَةُ أَنَّهُ نَقْصٌ طَرَأَ عَلَى الْحُلِيِّ لَا يُتَصَوَّرُ انْفِرَادُهُ دُونَهُ وَهُوَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ مَا نَقَصَ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى ثَوْبٍ بِتَخْرِيقٍ.
(ش) : وَهَذَا عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ إنَّ مَنْ تَجَرَ بِمَالٍ اُسْتُوْدِعَهُ فَرَبِحَ فِيهِ فَإِنَّ الرِّبْحَ لَهُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي جَوَازِ السَّلَفِ مِنْ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُودِعِ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ.
وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ تَرْكُ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ وَقَدْ أَجَازَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَرُوجِعَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِيهِ وَفَاءٌ وَأَشْهَدَ فَأَرْجُو أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ وَوَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا إنَّمَا دَفَعَهَا إلَيْهِ؛ لِيَحْفَظَهَا لَا لِيَنْتَفِعَ بِهَا وَلَا لِيَصْرِفَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا عَمَّا قَبَضَهَا عَلَيْهِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ مَنْ اسْتَوْدَعَ مَالًا أَوْ بَعَثَ بِهِ مَعَهُ فَلَا أَرَى أَنْ يَتَّجِرَ بِهِ وَلَا أَنْ يُسَلِّفَهُ أَحَدًا وَلَا يُحَرِّكَهُ عَنْ حَالِهِ؛ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يُفْلِسَ أَوْ يَمُوتَ فَيُتْلِفَ الْمَالُ وَيُضَيِّعَ أَمَانَتَهُ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ؛ فَإِنَّهُ لَا مَضَرَّةَ فِي انْتِفَاعِ الْمُودَعِ بِهَا إذَا رَدَّ مِثْلَهَا، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهَا وَيَتَمَسَّكَ بِهَا مَعَ بَقَاءِ أَعْيَانِهَا.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ فَأَمَّا مَا يَتَعَيَّنُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ مَا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ، وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ فَأَمَّا مَا لَهُ مِثْلٌ فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي الْمَنْعُ مِنْهُ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرَى بِرَدِّ مِثْلِهِ إبَاحَةَ ذَلِكَ وَسَيَجِيءُ ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَأَمَّا مَا لَا مِثْلَ لَهُ فَلَا شُبْهَةَ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
1 -
(فَرْعٌ)
الصفحة 279
290