كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 5)

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَمَنْ صَبَّرَ صُبْرَةَ طَعَامٍ، وَقَدْ عَلِمَ كَيْلَهَا ثُمَّ بَاعَهَا جُزَافًا وَكَتَمَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَيْلَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ فَإِنْ أَحَبَّ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ بِمَا كَتَمَهُ كَيْلَهُ وَغَرَّهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عَلِمَ الْبَائِعُ كَيْلَهُ وَعَدَدَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ بَاعَهُ جُزَافًا، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِي إنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ رَدَّهُ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْكَيْلِ بَيْنَهُمَا، وَلَا قَصَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ مَا أَخَذَ مِنْ الْكَيْلِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى؛ لِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ غَرَضًا غَيْرَ الْغَبْنِ فِي الْقَدْرِ هُوَ أَبْيَنُ مِنْهُ وَأَظْهَرُ وَهُوَ مُخَالَفَةُ مَنْفَعَةِ مَا أَعْطَى لِمَنْفَعَةِ مَا أَخَذَ، وَإِذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَتَقَارَبَا كَانَ الْأَظْهَرُ إنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَبْنَ صَاحِبِهِ فِي الْقَدْرِ، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْمُخَاطَرَةِ الَّتِي تَمْنَعُ الْبَيْعَ، وَالْمُبَادَلَةَ فَإِذَا تَفَاوَتَتْ الْمَقَادِيرُ حَتَّى تَبَيَّنَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرِ جَازَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ مَعْنَى الْغَرَرِ وَالْمُخَاطَرَةِ بِزِيَادَةِ الْكَيْلِ وَنَقْصِهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لَا شَتْرَائِهِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ جُزَافًا بِمَعْنَى أَنَّ اشْتِرَاءَ الْحِنْطَةِ بِالتَّمْرِ جُزَافًا لَمَّا كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ جَائِزٌ كَاشْتِرَاءِ الْحِنْطَةِ جُزَافًا بِالذَّهَبِ كَانَ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَكَذَلِكَ مَا قِسْنَا عَلَيْهِ.

(ش) : قَوْلُهُ مَنْ صَبَّرَ صُبْرَةَ طَعَامٍ فَبَاعَهَا جُزَافًا الصُّبْرَةُ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ تُبَاعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تُبَاعَ عَلَى الْكَيْلِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّ فِيهَا عَشَرَةَ أَرَادِبَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ مِنْهَا هَذَا الْمِقْدَارَ كُلُّ إرْدَبٍّ بِدِينَارٍ فَإِنْ وَجَدَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَرَادِبَ فَالْبَيْعُ لَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا إلَّا عَشَرَةَ أَرَادِبَ، وَإِنْ وَجَدَ فِيهَا تِسْعَةَ أَرَادِبَ كَانَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَالثَّانِي أَنْ يَبِيعَهَا جُزَافًا عَلَى مَا قَالَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ ابْتَعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَشَرَةَ دَنَانِيرَ ثَمَنٌ لِجَمِيعِهَا، وَإِنَّ الْبَيْعَ قَدْ تَنَاوَلَ جَمِيعَهَا، وَلَمْ يَبِعْ عَلَى قَدْرِ مَا يُعْتَبَرُ بِهِ زِيَادَتُهَا عَلَيْهِ أَوْ نَقْصُهَا عَنْهُ، وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا مَرْئِيٌّ يَتَأَتَّى فِيهِ الْحَزْرُ، وَيَقِلُّ فِيهِ الْغَرَرُ، وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ الْقَصْدُ إلَى الْمُخَاطَرَةِ وَالْمُغَابَنَةِ فَجَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يَجُوزُ الْجُزَافُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ كَالْحِنْطَةِ أَوْ مَوْزُونٍ كَاللَّحْمِ أَوْ مَعْدُودٍ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ مِمَّا الْغَرَضُ فِي مَبْلَغِهِ دُونَ أَعْيَانِهِ، وَلَا آحَادِهِ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ، وَلَا مَعْدُودٍ مِمَّا الْغَرَضُ فِي أَعْيَانِهِ كَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْجُزَافُ؛ لِأَنَّ آحَادَهُ تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تُفْرَدَ بِالنَّظَرِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِحَالِهِ، وَسَلَامَتِهِ مِنْ الْعُيُوبِ وَقِيمَتِهِ فِي نَفْسِهِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْأُتْرُجَّ وَالْبِطِّيخَ الْمُخْتَلِفَ الْمَقَادِيرِ يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْهُ الْمَبْلَغَ خَاصَّةً، وَلِذَلِكَ يَتَأَتَّى حَزْرُهُ، وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ ثَمَنُ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ لَوَجَبَ عَلَى طَرِيقِهِمْ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ فِيهِ، وَأَمَّا إنْ عَلَّلْنَا الْجَوَازَ بِرُؤْيَةِ جَمِيعِهِ فَهُوَ جَائِزٌ.
1 -
(فَصْلٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لِبَيْعِ الْجُزَافِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا وَاحِدًا مِنْهَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ يَتَأَتَّى فِيهِ الْحَزْرُ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَعْلَمَ الْمُتَبَايِعَانِ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْكَثْرَةِ بِحَيْثُ يَخْفَى أَمْرُهُ، وَمَبْلَغُهُ عَلَى التَّحْقِيقِ فَأَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَرْئِيًّا، وَأَمَّا الْغَائِبُ الَّذِي لَمْ تَتَقَدَّمْ رُؤْيَتُهُ أَوْ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَتَأَتَّى حَزْرُهُ.
وَقَدْ فَسَّرَهُ سَحْنُونٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَزْرَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَجُوزُ فَلَا يَصْلُحُ الْجُزَافُ فِيهِ، وَلِذَلِكَ لَا تَصِحُّ مِنْ الْأَعْمَى شَهَادَةٌ فِيهِ، وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ، وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ الدَّارُ الْغَائِبَةُ عَلَى الصِّفَةِ إلَّا مُذَارَعَةً، وَقَالَ سَحْنُونٌ مِثْلَهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ فَإِنَّ مَعْنَى الْجُزَافِ أَنْ لَا يَعْلَمَ مِقْدَارَهُ عَلَى التَّحْقِيقِ فَإِنْ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُ خَرَجَ عَنْ الْجُزَافِ، وَصَارَ مَعْلُومًا فَيَجِبُ أَنْ يُكَالَ أَوْ يُعْرَفَ، وَالْمُبْتَاعُ فِيهِ الْبَائِعُ فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِمَعْرِفَتِهِ دُونَ الْآخَرِ

الصفحة 8