كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعُقِدَ الْبَيْعُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ الْغَرَرُ فَلَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَبَيْعِ الْغَرَرِ» ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ بَاعَ جُزَافًا مَا يُعْلَمُ قَدْرُ كَيْلِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ بِعِلْمِهِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَبِيعُك مِلْءَ هَذِهِ الْغِرَارَةِ، وَهُوَ يَعْلَمُ كَيْلَهَا.
(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ انْعَقَدَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا فَإِنَّ ابْنَ حَبِيبٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يُفْسَخُ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى الْإِبَاقِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهُ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، وَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ مِنْهُ التَّفَاوُتُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ لَهُ مِقْدَارٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَيُطَالِبُ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مِقْدَارٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَيَعُولُ الْمُبْتَاعُ عَلَيْهِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْجُزَافِ عَلَى اللُّزُومِ وَالرِّضَا بِالْخَطَرِ وَكِتْمَانِ مَا عُلِمَ مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِبَاقِ فَإِنْ لَمْ يَبِنْ عَلَيْهِ بَلْ الْمُبْتَاعُ لَمْ يُسْأَلْ الْبَائِعُ عَنْ قَدْرِ إبَاقِهِ، وَلَوْ بَنَى مَعَهُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي اللُّزُومِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْإِبَاقِ، وَكِتْمَانِ مَا قَدْ عُلِمَ مِنْهُ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْجُزَافِ فِي فَسَادِ الْبَيْعِ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ الْبَيْعَ، وَكَتَمَ صَاحِبُهُ فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ الْمُبْتَاعُ عَلَى الْبَائِعِ إنْ شَاءَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْتَرِي فِي حَوْزِهِ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ، وَلَوْ عَلِمَ بِأَنَّهَا ثَمَانِيَةٌ لَمَا ابْتَاعَهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَإِذَا عَلِمَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ فَقَدْ عَلِمَ مِنْ عَيْبِ النَّقْصِ مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَكَانَ لَهُ رَدُّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ فَإِذَا اسْتَوَى عِلْمُهُمَا فِي ذَلِكَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ائْتَمَنَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِقْدَارٌ ظَاهِرٌ عُوِّلَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا عُوِّلَ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ عَلَى الصِّحَّةِ فَكَانَتْ لَهُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُسَاوَى عِلْمُهُمَا فِي عَدَمِ الْعَيْبِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا حُكْمُ مَا جُوزِفَ بِمِقْدَارِهِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ فِي اعْتِبَارِهِ كَالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ، وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى يُعْتَبَرُ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ فَأَمَّا مَا كَانَ لَهُ مَعْنَيَانِ يُعْتَبَرُ بِهِمَا فَبَيْعٌ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَجُوزِفَ فِي الْآخَرِ مَعَ عِلْمِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِمِقْدَارِهِ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُرَدُّ بِهِ، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ بَيْعٌ كَالدَّرَاهِمِ الَّتِي تُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ وَالْعَدَدِ فَبِيعَتْ فِي بَلَدٍ تُجْزِئُ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ بِأَحَدِهِمَا.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْمَعْدُودُ فَإِنْ كَانَتْ مَقَادِيرُهُ لَا تَتَفَاوَتُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَأَمَّا مَا تَخْتَلِفُ مَقَادِيرُهُ، وَتَتَفَاوَتُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ وَالْأُتْرُجِّ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ بَيْعَهُ مِمَّنْ يَعْرِفُ عَدَدَهُ جُزَافًا، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا عَرَفَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَدَدَهُمَا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ جُزَافًا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْغَرَضَ فِي مَبْلَغِهِ دُونَ عَدَدِهِ فَإِذَا انْفَرَدَ بِمَعْرِفَةِ عَدَدِهِ فَلَمْ يَنْفَرِدْ بِمَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِمَعْرِفَةِ عَدَدِ الْقَمْحِ أَوْ مَعْرِفَةِ وَزْنهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ هَذَا انْفَرَدَ بِمَعْرِفَةِ مَا يَتَقَدَّرُ بِهِ الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِمَعْرِفَةِ كَيْلِ الْقَمْحِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ الْجُزَافُ صُبْرَةً فِي الْأَرْضِ، وَيَكُونُ إنَاءً مَمْلُوءًا كَالْعِدْلِ الْمَمْلُوءِ قَمْحًا، وَالْبَيْتِ الْمَمْلُوءِ تَمْرًا فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْجُزَافِ لَهُ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَهَلْ يَكُونُ جُزَافًا أَوْ كَيْلًا مَجْهُولًا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَسَائِلَ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ مِنْ بَابِ الْجُزَافِ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْعِدْلِ الْمَمْلُوءِ قَمْحًا، وَالْبَيْتِ الْمَمْلُوءِ تَمْرًا إذَا أَمْكَنَ حَزْرُ الْمَبِيعِ، وَتَقْدِيرُهُ بِمَعْرِفَةِ طُولِ الْبَيْتِ وَعَرْضِهِ وَارْتِفَاعِهِ وَغِلَظِ جُدُرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ابْتَاعَ مِنْهُ سَلَّةً مَمْلُوءَةً عِنَبًا أَوْ تِينًا، وَأَمَّا إنْ ابْتَاعَ مِنْهُ مِلْءَ هَذَا الْعِدْلِ مِنْ الْقَمْحِ وَالْعِدْلُ لَا قَمْحَ فِيهِ أَوْ يَمْلَأُ لَهُ هَذَا الْبَيْتَ تَمْرًا أَوْ هَذِهِ الْقَارُورَةَ ذَهَبًا أَوْ هَذِهِ السَّلَّةِ عِنَبًا فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا جُزَافٌ غَيْرُ مَرْئِيٍّ، وَالْجُزَافُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ قَدْرَ كَيْلِ هَذِهِ الصُّبْرَةِ مِنْ طَعَامٍ لَا يَجُوزُ، وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْهُ جَوَازَهُ فِي سَلَّةِ التِّينِ وَالْعِنَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ مِثْلَهَا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا

الصفحة 9