كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 5)

عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ فِي وُجُودِهِ خَطَرٌ وَالْإِقْرَارُ لَا يَحْتَمِلُهُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ، وَالْإِقْرَارُ لَا يُحْلَفُ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِنْ كَانَ صِدْقًا لَا يَصِيرُ كَذِبًا بِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا لَا يَصِيرُ صِدْقًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا التَّعْلِيقُ فِيمَا هُوَ إيجَابٌ لِيَتَبَيَّنَ بِالتَّعْلِيقِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ مَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَكَذَلِكَ كُلُّ إقْرَارٍ عُلِّقَ بِالشَّرْطِ نَحْوُ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ إنْ قَضَى اللَّهُ تَعَالَى أَوْ أَرَادَهُ أَوْ رَضِيَهُ أَوْ أَحَبَّهُ أَوْ قَدَّرَهُ أَوْ يَسَّرَهُ أَوْ إنْ بُشِّرْت بِذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ وَمَا شَاكَلَهُ مُبْطِلٌ لِلْإِقْرَارِ إذَا كَانَ مَوْصُولًا لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا
وَلَوْ قَالَ اشْهَدُوا أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ إنْ مِتُّ فَهُوَ عَلَيْهِ إنْ مَاتَ أَوْ عَاشَ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ فَإِنَّ مَوْتَهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَمُرَادُهُ أَنْ يُشْهِدَهُمْ عَلَى الْمَالِ الْمُقَرِّ بِهِ حَتَّى لَا تَبْقَى ذِمَّتُهُ مُرْتَهَنَةً لِيَشْهَدُوا بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا جَحَدَتْ الْوَرَثَةُ فَيَكُونُ رَاجِعًا إلَى تَأْكِيدِ الْإِقْرَارِ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ عَاشَ أَوْ مَاتَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ إذَا أَفْطَرَ النَّاسُ أَوْ إلَى الْفِطْرِ أَوْ إلَى الْأَضْحَى؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ وَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى الْأَجَلِ إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ مَقْبُولًا وَدَعْوَاهُ الْأَجَلَ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ فِي بَابِ تَعْلِيقِ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ: أَصْلُهُ أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ بَاطِلٌ وَالْمَالُ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ كَائِنٍ سَابِقٍ وَالْكَائِنُ لَا يُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ وَإِنَّمَا يُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ غَيْرِ الْكَائِنِ لِيَصِيرَ كَائِنًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ وَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِنْ كَانَ صِدْقًا لَا يَصِيرُ كَذِبًا بِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا لَا يَصِيرُ صِدْقًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ فَلَغَا تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ إلَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ سَبَبًا كَحُلُولِ الْأَجَلِ وَالْمَوْتِ وَمَجِيءِ الْغَدِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْإِخْبَارُ عَنْ مَحَلِّ الْأَجَلِ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ الْمَبْسُوطِ
وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ فِي أَوَائِلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ فَقَالَ لَوْ قَالَ غَصَبْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ أَمْسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَنْزِلَةِ ذِكْرِ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْإِنْشَاءَاتِ دُونَ الْإِخْبَارَاتِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ الِاسْتِثْنَاءُ مُخْرِجٌ لِلْكَلَامِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً لَا أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُعَاتَبْ عَلَى تَرْكِ الصَّبْرِ، وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَعُوتِبَ؛ لِأَنَّ الْوَعْدَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالْعَهْدِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَالْإِقْرَارُ لَا يَكُونُ إلَّا بِكَلَامٍ هُوَ عَزِيمَةٌ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى مَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَشَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَفْصُولًا لَا يُؤَثِّرُ خِلَافًا لِابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ اسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ سَنَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ» قُلْنَا هُوَ مُغَيَّرٌ وَالْمُغَيَّرُ لَا يَصِحُّ إلَّا مُتَّصِلًا كَالشَّرْطِ وَاسْتِثْنَاءُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لِامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لَا لِمَنْعِ الِانْعِقَادِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ هَلْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ أَوْ إبْطَالٌ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلَا نُعِيدُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اسْتَثْنَى الْبِنَاءَ مِنْ الدَّارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ فُلَانٍ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ اهـ اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ أَوْ إلَى الْأَضْحَى) فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ وَهُوَ حَالٌّ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُقِرَّ الطَّالِبُ بِالْأَجَلِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَيَلْزَمُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَشَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تَمْنَعُ مِنْ لُزُومِ مَا يَلْزَمُ عِنْدَ عَدَمِهَا قَالَ تَعَالَى {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف: 69] بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَصْبِرْ كَانَ خُلْفًا فِي الْوَعْدِ فَلَمَّا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَصِرْ مُخْلِفًا لِلْوَعْدِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَشِيئَةَ إذَا عُلِّقَ بِهَا تَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَلْزَمَهُ الْمَالُ ذَكَرَ الِاسْتِحْسَانَ وَالْقِيَاسَ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ فَائِدَةَ التَّعْلِيقِ تَأْخِيرُ الْحُكْمِ إلَى أَنْ يُوجَدَ الشَّرْطُ وَتَأْخِيرُ مَا كَانَ مُتَحَقِّقًا فِي الْمَاضِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَمَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْمَاضِي وَلَيْسَ بِإِيجَابٍ مُبْتَدَأٍ فِي الْحَالِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ تَعْلِيقُ أَمْرٍ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُتَحَقِّقٍ لَا يُعْرَفُ وُجُودُهُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا عُلِّقَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ هَلْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إلَخْ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْبِنَاءَ مِنْ الدَّارِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَقَرَّ أَنَّهَا لِفُلَانٍ إلَّا بَيْتًا مِنْهَا مَعْلُومًا فَإِنَّهُ لِي فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إلَّا ثُلُثَهَا أَوْ إلَّا تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا لِي فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِمَا سِوَى الْمُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي، وَلَوْ قَالَ الدَّارُ لِفُلَانٍ، وَهَذَا الْبَيْتُ لِي كَانَتْ الدَّارُ كُلُّهَا لِفُلَانٍ، وَكَذَا قَالَ الدَّارُ لِفُلَانٍ وَلَكِنَّ هَذَا الْبَيْتَ لِي، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي أَوْ قَالَ هَذِهِ الْأَرْضُ لِفُلَانٍ وَنَخْلُهَا لِي أَوْ قَالَ النَّخْلُ بِأُصُولِهِ لِفُلَانٍ وَثَمَرَتُهُ لِي؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ كُلَّهُ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا فَإِنَّهُ لِي لَمْ يُصَدَّقْ أَيْضًا عَلَى الْبِنَاءِ، وَالْبِنَاءُ تَابِعٌ وَلَيْسَ هَذَا بِاسْتِثْنَاءٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ وَالْبِنَاءُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ وَإِنَّمَا دَخَلَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَالْأَتْبَاعُ لَا يَتَنَاوَلُهَا الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا
لَوْ قَالَ هَذِهِ الْجَارِيَةُ لِفُلَانٍ إلَّا بَيَاضَهَا أَوْ جَمَالَهَا فَإِنَّهُ لِي أَلَيْسَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ كَذَا هُنَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذَا الْبُسْتَانُ لِفُلَانٍ إلَّا نَخِيلَهُ بِغَيْرِ أُصُولِهِ فَإِنَّهُ لِي أَوْ قَالَ هَذِهِ الْجُبَّةُ لِفُلَانٍ إلَّا بِطَانَتَهَا فَإِنَّهَا لِي أَوْ قَالَ هَذَا السَّيْفُ لِفُلَانٍ إلَّا حِلْيَتَهُ فَإِنَّهَا لِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ لِلتَّوَابِعِ وَأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ صَدْرِ الْكَلَامِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ فِي الدَّارِ مِنْ مَبْسُوطِهِ

الصفحة 16