كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 5)

اسْتِثْنَاؤُهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي اسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِغَصْبِ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَغْصِبُ مَا يُصَادِفُ وَيُودِعُ مَا عِنْدَهُ فَلَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ فِي الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مُطْلَقًا مَفْصُولًا وَمَوْصُولًا؛ لِأَنَّهُمَا نَوْعٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَفِيهِ يُقْبَلُ مَفْصُولًا؛ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إذَا وَقَعَ فِي الْمَقْبُوضِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا وَفِي السَّتُّوقَةِ لَا يُصَدَّقُ إلَّا مَوْصُولًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُهَا الِاسْمُ مَجَازًا فَكَانَ مِنْ بَابِ التَّغْيِيرِ فَلَا يَصِحُّ مَفْصُولًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ فِي الْقَرْضِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إنْ وَصَلَ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يَتِمُّ بِالْقَبْضِ فَأَشْبَهَ الْغَصْبَ وَالْوَدِيعَةَ
وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالتَّعَامُلِ فَأَشْبَهَ مَا يَجِبُ بِالْبَيْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَالَ غَصَبْت أَلْفًا ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ لَمْ يُصَدَّقْ إذَا فَصَلَ كَمَا فِي الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ قِيلَ يُصَدَّقُ إجْمَاعًا إذَا وَصَلَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْعَقْدِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْجُودَةِ بِهِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْوُجُوبِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لَهُ وَهُوَ التِّجَارَةُ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنَّهُ يَنْقُصُ كَذَا مُتَّصِلًا صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا)؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْقَدْرَ فَيَكُونُ تَغْيِيرًا فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا عَلَى مَا بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَوْ كَانَ الِانْقِطَاعُ بِسَبَبِ انْقِطَاعِ النَّفَسِ أَوْ بِسَبَبِ دَفْعِ السُّعَالِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِحُّ إذَا وَصَلَهُ بِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ وَيَذْكُرَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي آخِرِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا يَكُونُ عَلَيْهِمْ حَرَجٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ ثَوْبٍ وَجَاءَ بِمَعِيبٍ صُدِّقَ)؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَخْتَصُّ بِالتَّسْلِيمِ كَالْوَدِيعَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ أَخَذْتُ مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً وَهَلَكَتْ، وَقَالَ: أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ)؛ لِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQثَمَنِ مَبِيعٍ ثُمَّ قَالَ هِيَ كَاسِدَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ وَصَلَ؛ لِأَنَّ كَسَادَ الْفُلُوسِ عَيْبٌ فِيهَا فَصَارَ كَالزُّيُوفِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ
وَفَرَّقَ بَيْنَ الْكَاسِدَةِ وَالزُّيُوفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْكَسَادَ فَقَدْ ادَّعَى فَسَادَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ يُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الصِّفَةِ كَاسْتِثْنَاءِ الْقَدْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ) أَيْ عَنْ الْعَيْبِ عُرْفًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَمَا يَرِدُ فِي الْجِيَادِ يَرِدُ فِي الزُّيُوفِ فَكَانَ ذَلِكَ بَيَانَ النَّوْعِ فَصَحَّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى بِالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ بِأَنْ غَصَبَ ثَوْبًا أَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً فَجَاءَ بِهِ وَهُوَ مَعِيبٌ خَلَقٌ، فَقَالَ كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا هَذَا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي قَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إنْ قَالَ مَوْصُولًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ قَالَ مَفْصُولًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي السَّتُّوقَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ وَوَصَلَ صُدِّقَ، وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَإِنْ قَالَ هِيَ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ صُدِّقَ إنْ وَصَلَ وَلَمْ يُصَدَّقْ إذَا فَصَلَ يَعْنِي فِي الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا صُورَةً فَصَارَ إرَادَتُهَا بِاسْمِ الدَّرَاهِمِ كَإِرَادَةِ الْمَجَازِ بِاسْمِ الْحَقِيقَةِ وَإِذَا بَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَجَازَ مَوْصُولًا قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا اهـ
وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي السَّتُّوقَةِ مَا نَصُّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ يُصَدَّقُ فِي الزُّيُوفِ إنْ وَصَلَ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ هِيَ زُيُوفٌ يُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ قَوْلَهُ هِيَ زُيُوفٌ بِقَوْلِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضٌ أَمَّا إذَا قَطَعَ كَلَامَهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ زَمَانٍ هِيَ زُيُوفٌ لَا يُصَدَّقُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُقْضَى بِالْمِثْلِ فَرُبَّمَا يَكُونُ الْمَقْبُوضُ زَيْفًا فَيُصَدَّقُ فِيمَا إذَا وَصَلَ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَأَرَادَ بِالْأُصُولِ الْجَامِعَيْنِ وَالزِّيَادَاتِ وَالْمَبْسُوطِ وَهِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَغَيْرُهَا غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْأَمَالِي وَالنَّوَادِرِ وَالرُّقَيَّاتِ والهارونيات والكيسانيات. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ) أَيْ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ اهـ
(قَوْلُهُ يُصَدَّقُ إجْمَاعًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُهَا أَيْ يَتَنَاوَلُ الزُّيُوفَ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَلَوْ أَرْسَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجِهَةَ ثُمَّ قَالَ: هِيَ زُيُوفٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي الْأُصُولِ فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَاهُنَا يُصَدَّقُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْجُودَةَ تَجِبُ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ دُونَ الْبَعْضِ فَلَا يَجِبُ مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَاَلَّذِي قَالَ عَلَى الِاخْتِلَافِ هُوَ الْكَرْخِيُّ كَذَا ذَكَرَ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَمِنْ هَذَا عَرَفْت قَوْلَهُ فِي الْمَتْنِ وَقِيلَ: لَا يُصَدَّقُ أَيْ لَا يُصَدَّقُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ، وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ إذَا وَصَلَ؛ لِأَنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ فَيَصِحُّ بِشَرْطِ الْوَصْلِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الصَّادِرَ مِنْهُ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَى الْعُقُودِ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَشْرُوعَةُ وَالْحُكْمُ فِي الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ هَذَا عِنْدَهُ وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْغَصْبِ حَتَّى يُجْعَلَ مُصَدَّقًا فِي دَعْوَى الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ أَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحَرَامِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُقَالُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْصَرِفَ إقْرَارُهُ إلَى الْوَدِيعَةِ فَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الزِّيَافَةِ كَمَا فِي الْغَصْبِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَوْلَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَنْفِي الْوَدِيعَةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الذِّمَّةِ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) عَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ل قَاضِيخَانْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) مُكَرَّرٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ كَالْوَدِيعَةِ) فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا غَصَبَ سَوَاءً وَصَلَ أَوْ فَصَلَ اهـ أَتْقَانِيٌّ

الصفحة 20