كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 5)

وَلِنَفْسِهِ يَكُونُ دَعْوَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا أَقَرَّ حُرٌّ مُكَلَّفٌ بِحَقٍّ صَحَّ وَلَوْ مَجْهُولًا كَشَيْءٍ وَحَقٍّ)؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ ثَبَتَتْ حُجِّيَّتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [البقرة: 282] أَمَرَهُ بِالْإِمْلَالِ فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ إقْرَارَهُ لَمَا كَانَ لِإِمْلَالِهِ مَعْنًى، وَقَدْ نَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا عَنْ كِتْمَانِ الْحَقِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} [البقرة: 282] فَصَارَ نَظِيرَ أَمْرِهِ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَنَهْيِهِ عَنْ كِتْمَانِهَا وقَوْله تَعَالَى {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14] أَيْ شَاهِدٌ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وقَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِقْرَارُ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهِمَا» فَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَالْمَالُ أَوْلَى أَنْ يَجِبَ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى أَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فَالْمَالُ أَوْلَى
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ كَاذِبًا بِمَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الصِّدْقِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَكَمَالِ الْوِلَايَةِ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ مَجْهُولُ النَّسَبِ بِالرِّقِّ جَازَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَمُدَبَّرِيهِ وَمُكَاتَبِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً بِالْقَضَاءِ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّ الْكُلِّ، أَمَّا الْإِقْرَارُ فَحُجَّةٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا رَدَّهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، وَلَوْ صَدَّقَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَصِحُّ رَدُّهُ وَلَكِنْ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ عَنْ كُرْهٍ مِنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا إذَا سَلَّمَهُ لَهُ بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِهِ حَلَّ فَيَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً مِنْهُ وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَتَأَخَّرُ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَكَذَا الْمَأْذُونُ لَهُ يَتَأَخَّرُ إقْرَارُهُ بِمَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ كَإِقْرَارِهِ بِالْمَهْرِ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ
وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْمَالِ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا التِّجَارَةَ فَلَمْ يَكُنْ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى لَا يَصِحُّ عَلَيْهِ فِيهِ وَشَرْطُ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَجْنُونِ لَا يَصِحُّ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الِالْتِزَامِ إلَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَعْتُوهُ مَأْذُونًا لَهُ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَا يُعَامِلُهُ أَحَدٌ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ فَدَخَلَ فِي الْإِذْنِ كُلُّ مَا كَانَ طَرِيقُهُ التِّجَارَةَ كَالدُّيُونِ وَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْغُصُوبِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِيهَا لِالْتِحَاقِهِ فِي حَقِّهَا بِالْبَالِغِ الْعَاقِلِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَدُلُّ عَلَى عَقْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ كَالْمَهْرِ وَالْجِنَايَةِ وَالْكَفَالَةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهَا؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْمَهْرَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ وَالْجِنَايَةَ لَيْسَتْ بِمُبَادَلَةٍ وَالْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ وَالنَّائِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ وَإِقْرَارُ السَّكْرَانِ جَائِزٌ مُطْلَقًا إذَا كَانَ سُكْرُهُ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْخِطَابَ إلَّا إذَا أَقَرَّ بِمَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ كَالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ فَأُقِيمَ السُّكْرُ مَقَامَهُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ
وَإِنْ سَكِرَ بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ كَالشُّرْبِ مُكْرَهًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَكَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ رَدَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ الرَّدُّ. اهـ. وَسَيَأْتِي هَذَا الْفَرْعُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ زِيَادَةَ فَائِدَةٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إذَا أَقَرَّ حُرٌّ مُكَلَّفٌ بِحَقٍّ) لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِلَفْظِ الْحَقِّ بَلْ بِدِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ غَيْرَ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْحَقِّ كَقَوْلِ الرَّجُلِ جَاءَنِي فُلَانٌ فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ مُنْكَرٍ فِي حَقِّ الْقَائِلِ فَعَبَّرَ عَنْ الْمُعَرَّفِ الَّذِي عِنْدَهُ بِالْمُنْكَرِ اهـ مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى أَوْلَادِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْإِقْرَارِ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مَجْهُولَانِ لَهُمَا ابْنٌ صَغِيرٌ لَا يَتَكَلَّمُ أَقَرَّا بِالرِّقِّ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَعَلَى ابْنِهِمَا جَازَ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ: أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ وَالْمُدَبَّرُونَ فَإِقْرَارُهُ بِالرِّقِّ لَا يَعْمَلُ فِي حَقِّهِمْ اهـ (قَوْلُهُ فَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ) رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ أَنَا عَبْدٌ لَك فَقَالَ الْآخَرُ: لَا ثُمَّ قَالَ بَلَى أَنْتَ عَبْدٌ لِي فَإِنَّهُ عَبْدُهُ وَلَا يَكُونُ نَفْيُهُ شَيْئًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يَبْطُلُ بِجُحُودِ الْمَوْلَى أَمَّا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ يَبْطُلُ بِالتَّكْذِيبِ. اهـ. خُلَاصَةٌ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ) أَيْ فِيمَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعُقُوبَةِ بِنَاءً عَلَى الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَكَوْنُهُ مُكَلَّفًا مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (فَرْعٌ) ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ رَجُلٌ قَالَ مَا فِي يَدِي مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَتَاعٍ لِفُلَانٍ صَحَّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ وَلَيْسَ بِمَجْهُولٍ فَإِنْ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ لِيَأْخُذَ عَبْدًا مِنْ يَدِ الْمُقِرِّ وَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: كَانَ فِي يَدِك وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَهُوَ لِي وَقَالَ الْمُقِرُّ: لَا بَلْ مَلَكْتُ هَذَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُقَرُّ لَهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَقْتَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ يُنْكِرُ دُخُولَ هَذَا الْعَبْدِ فِي الْإِقْرَارِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي الْإِقْرَارِ مَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْجَامِعِ رَجُلٌ قَالَ مَا فِي حَانُوتِي لِفُلَانٍ ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا فِي الْحَانُوتِ لَهُ وَوَضَعَهُ فِي الْحَانُوتِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ صُدِّقَ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْجَامِعِ قَالُوا تَأْوِيلُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إذَا ادَّعَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ فِي مُدَّةٍ لَا يُمْكِنُهُ إدْخَالُهُ فِي الْحَانُوتِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِيَقِينٍ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ إذَا ادَّعَى الْمُقِرُّ حُدُوثَ الْمِلْكِ فِي زَمَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ حُدُوثُهُ فِيهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي مَلَكْتُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ. اهـ. قَاضِيخَانْ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي.
(فَرْعٌ آخَرُ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ رَجُلٌ قَالَ: جَمِيعُ مَا فِي يَدِي لِفُلَانٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ يُرْجَعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ وَلَا يُعْلَمُ قَبْلَ الْبَيَانِ اهـ

الصفحة 3