كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 5)

فَيَكُونُ نَظِيرَ الصُّلْحِ عَنْ سَائِرِ الدُّيُونِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ مُعْتَبَرٌ بِالنَّفْسِ فَيُلْحَقُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيهِ، بِالْعَمْدِ فِي النَّفْسِ وَمَا يُوجِبُ الْمَالَ فِيهِ بِالْخَطَأِ فِيهَا ثُمَّ لَا يَخْتَلِفُ هَذَا الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ فِيهَا السَّبَبُ مِنْ مُعَاوَضَةٍ أَوْ افْتِدَاءِ يَمِينٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ الْحَدِّ) يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَنْ دَعْوَى حَدٍّ بِأَنْ رَفَعَ الزَّانِيَ أَوْ شَارِبَ الْخَمْرِ أَوْ الْقَاذِفَ فَصَالَحَ هُوَ الرَّافِعَ حَتَّى يَتْرُكَ الدَّعْوَى لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا دَفَعَ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا حَقُّ الرَّافِعِ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ؛ وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ وَلَدَهَا مِنْ زَوْجِهَا الْمُطَلِّقِ فَأَنْكَرَ وَصَالَحَهَا عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تَتْرُكَ الدَّعْوَى كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّ الْوَلَدِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ ظُلَّةٌ أَوْ كَنِيفٌ عَلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَخَاصَمَهُ رَجُلٌ عَلَى نَقْضِهِ فَصَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ وَاحِدٌ عَلَى الِانْفِرَادِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ الْإِمَامُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةً عَامَّةً وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَصَالِحِهِمْ فَإِذَا رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِيَاضَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ الْعَامِّ جَائِزٌ مِنْ الْإِمَامِ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ صَحَّ بَيْعُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَصَالَحَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الطَّرِيقِ حَيْثُ يَجُوزُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْأَفْرَادِ، وَالصُّلْحُ مَعَهُ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ ثُمَّ يَتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ رِضَا الْبَاقِينَ فَيَجُوزُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمِنْ نِكَاحٍ) أَيْ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى النِّكَاحِ هَذَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الصِّحَّةِ فِيهِ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي حَقِّهِ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ عَنْ تَرْكِ الْبُضْعِ خُلْعٌ وَالصُّلْحُ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ ذِكْرُهُ وَفِي حَقِّهَا لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ فَكَانَ صَحِيحًا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ ذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ تَرْكُ الدَّعْوَى مِنْهَا طَلَاقًا فَالزَّوْجُ لَا يُعْطَى الْعِوَضَ فِي الْفُرْقَةِ إذْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ شَيْءٌ فِي هَذِهِ الْفُرْقَةِ وَهِيَ يُسَلَّمُ لَهَا الْمَالُ وَالنَّفْسُ، وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ فُرْقَةً فَالْحَالُ بَعْدَ الصُّلْحِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَتَكُونُ هِيَ عَلَى دَعْوَاهَا فَلَا يَكُونُ هَذَا الصُّلْحُ مُفِيدًا قَطْعَ الْخُصُومَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ الْقَاذِفُ) الْغَالِبُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ حَقُّ الشَّرْعِ عِنْدَنَا. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّ الْوَلَدِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ الْمُطَلَّقَةُ الْمُبَانَةُ ادَّعَتْ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ لِلْمُطَلِّقِ وَصَالَحَ مِنْ النَّسَبِ عَلَى مِائَةٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْوَلَدِ وَأَيْضًا لَا يُمْكِنُ أَخْذُ الْوَلَدِ عَنْ النَّسَبِ، وَلَوْ ادَّعَتْ نِكَاحًا بِغَيْرِ وَلَدٍ فَصَالَحَ عَلَى مِائَةٍ لَمْ يَجُزْ وَيَسْتَرِدُّ الْمَالَ إنْ دَفَعَ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ عَلَى تَرْكِ النِّكَاحِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فِي الْكِفَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ نِكَاحٍ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ فَصَالَحَتْهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَبْرَأَ مِنْ تَزْوِيجِهَا الَّذِي ادَّعَى أَجَزْتُهُ إذَا قَبِلَ وَيَكُونُ هَذَا خُلْعًا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَبَذْلَ الْمَالِ وَالرِّشْوَةِ فِي حَقِّهَا قَطْعًا لِمُنَازَعَتِهِ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى تَزْوِيجِهِ بَعْدَ الصُّلْحِ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ مَعْنَى الْخُلْعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَتْ أُعْطِيك مِائَةَ دِرْهَمٍ عَلَى الْمُبَارَأَةِ أَوْ عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ دَعْوَاك أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(فَرْعٌ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَلَوْ ادَّعَى قِبَلَهُ أَنَّهُ شَارِبُ خَمْرٍ وَقَالَ أَرْفَعُك إلَى السُّلْطَانِ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ أَوْ صَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ زَنَى بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَكُفَّ وَلَا يَرْفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ عَلَى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ ادَّعَى قِبَلَهُ سَرِقَةَ مَتَاعٍ فَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِبَلَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَبْرَأَهُ مِنْ السَّرِقَةِ فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى قِبَلَهُ حَقًّا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَعْوَى السَّرِقَةِ دَعْوَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ فِي حَقِّ الْمَالِ فَصَحَّ الصُّلْحُ فِيهِ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ الْمُدَّعِي كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ ثُمَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِالسَّرِقَةِ فَفَعَلَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْعُرُوض قَائِمَةً بِعَيْنِهَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ هَذَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ فِي بَابِ دَعْوَى الْجِرَاحَاتِ وَالْحُدُودِ، وَتَفْسِيرُهُ مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي دَعْوَى الْقِصَاصِ وَالْحَدِّ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي فَإِنْ كَانَتْ الْعُرُوض قَائِمَةً بِعَيْنِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا لِذَلِكَ الْعَرَضِ فِي زَعْمِهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِدَرَاهِمَ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالصُّلْحُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا عَلَى مَالٍ وَغَيْرِ مَالٍ مَرْدُودٌ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ فَكَانَ صَحِيحًا) وَالْمُرَادُ مِنْ جَوَازِ الصُّلْحِ نَفَاذُهُ فِي الظَّاهِرِ فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ ثِقَةٍ مِنْ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ مَكْتُوبَةً فِي تَارِيخِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ عَدَمَ الْجَوَازِ قَالَ، وَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ فَصَالَحَهَا عَلَى مَالٍ بَذَلَهُ لَهَا لَمْ يَجُزْ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَيْ الْجَوَازُ أَنْ يُجْعَلَ زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي دَعْوَاهَا النِّكَاحَ وَصُلْحُ الرَّجُلِ عَنْهُ عَلَى مَالٍ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ النِّكَاحِ بِمَالٍ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْمَهْرِ وَالْأَصَحُّ الْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي أَثْبَتَهُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ لَا غَيْرُ وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ الْكِفَايَةِ قَبْلَ هَذَا وَنَصَّ الْكَرْخِيِّ عَلَى بُطْلَانِ الصُّلْحِ فِي مُخْتَصَرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ) أَيْ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ) أَيْ لَوْ دَفَعَ إلَيْهَا الْمَالَ لِتَتْرُكَ الدَّعْوَى وَجَعَلَ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قِبَلَهُ) أَيْ فَلَا يَكُونُ مَا أَخَذَتْهُ عِوَضًا عَنْ شَيْءٍ

الصفحة 37