كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 5)

فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ، وَذُكِرَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ زَادَهَا عَلَى مَهْرِهَا ثُمَّ خَالَعَهَا عَلَى أَصْلِ الْمَهْرِ دُونَ الزِّيَادَةِ فَيَسْقُطُ الْمَهْرُ غَيْرَ الزِّيَادَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرِّقِّ وَكَانَ عِتْقًا عَلَى مَالٍ) يَعْنِي الصُّلْحَ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الرِّقِّ وَكَانَ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِمَعْنَى الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَفِي حَقِّ الْآخَرِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَجَازَ؛ وَلِهَذَا يَصِحُّ عَلَى حَيَوَانٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجْلٍ كَالْكِتَابَةِ اعْتِبَارًا لِزَعْمِ الْمُدَّعِي فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فِي مُعَاوَضَةِ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْعِتْقَ وَيَدَّعِي أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَيْهِ لَا غَيْرُ حَتَّى لَا يَكُونَ رَقِيقًا؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ مُعْتَقًا بِالصُّلْحِ فَلَا يَعُودُ رَقِيقًا، وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ الصُّلْحِ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّهُ بِأَخْذِ الْبَدَلِ بِاخْتِيَارِهِ نَزَلَ بَائِعًا وَكُلُّ مَوْضِعٍ وَقَعَ فِيهِ الصُّلْحُ وَالْمُدَّعِي كَاذِبٌ فِيهِ لَا يَحِلُّ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ وَنَظِيرُهُ الْمُقَرُّ لَهُ إذَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ الْمُقِرَّ كَاذِبٌ لَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا إذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ بِطِيبَةِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ هِبَةً مُبْتَدَأَةً فَيَطِيبُ لَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ رَجُلًا عَمْدًا لَمْ يَجُزْ صُلْحُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ لَهُ رَجُلًا عَمْدًا فَصَالَحَهُ عَنْهُ جَازَ) أَيْ، لَوْ صَالَحَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ عَنْ عَبْدِهِ جَازَ وَعَنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا جَازَ عَنْ عَبْدِهِ دُونَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي غَيْرِهِ وَتَصَرُّفُهُ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فَلَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى إذَا كَانَ بِعِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَهُوَ الْمَوْلَى؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ وَيَصِحُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَلِيِّ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ قَتْلُهُ بَعْدَ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مَالُ الْمَوْلَى وَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْأَمَةِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ بِعِوَضٍ وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْمَالُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَأَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ صَالَحَ عَلَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، وَتَصَرُّفُهُ فِي عَبْدِهِ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِخْلَاصَهُ كَشِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْقَتْلَ صَارَ كَالزَّائِلِ عَنْ مِلْكِهِ، وَهُوَ لَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَكَذَا لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِصَهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ لِخُرُوجِهِ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى؛ وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَى أَحَدٌ رَقَبَتَهُ كَانَ هُوَ الْخَصْمُ فِيهِ وَإِذَا جُنِيَ عَلَيْهِ كَانَ الْأَرْشُ لَهُ وَكَذَا إذَا قَتَلَ لَا تَكُونُ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى بَلْ لِوَرَثَتِهِ حَتَّى تُؤَدَّى بِهَا كِتَابَتُهُ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَيَكُونَ الْفَضْلُ لَهُمْ فَصَارَ كَالْحُرِّ فَيَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فَلَا يَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْ نَفْسِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْمَغْصُوبِ الْمُتْلَفِ بِمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ أَوْ عَلَى عَرَضٍ صَحَّ، وَلَوْ أَعْتَقَ مُوسِرٌ عَبْدًا مُشْتَرَكًا فَصَالَحَ الشَّرِيكَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ لَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي الْمَغْصُوبِ أَيْضًا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ هِيَ الْوَاجِبَةُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يُمْكِنُ وُجُوبُهَا فِي الذِّمَّةِ دُونَ الْعَيْنِ إذْ الْعَيْنُ لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَكُونُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ بِمُقَابَلَةِ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ الْقِيمَةُ لَا بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ فَيَصِيرُ مَا زَادَ عَلَيْهَا رِبًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ هَلَكَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَابِلَهَا شَيْءٌ، وَلَوْ أَمْكَنَ لَجَازَ بَيْعُهَا فَصَارَ بِمُقَابَلَةِ الْقِيمَةِ ضَرُورَةً وَهِيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَجُوزُ وَيَلْزَمُهَا رَدُّهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالرِّقِّ) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَجْهُولِ الْحَالِ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَأَنْكَرَ ثُمَّ صَالَحَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أُصَالِحُك مِنْ دَعْوَايَ عَلَى وَصَيْفٍ إلَى أَجَلٍ، أَوْ عَلَى كَذَا مِنْ الْغَنَمِ إلَى أَجَلٍ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ كُلُّهُ وَالثِّيَابُ وَالْعُرُوضُ وَكُلُّ شَيْءٍ يَجُوزُ فِيهِ الْمُكَاتَبَةُ فَهُوَ فِي هَذَا الْبَابِ جَائِزٌ، وَلَوْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِذَلِكَ لَزِمَ الْكَفِيلَ الْكَفَالَةُ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْمُكَاتَبَةَ؛ لِأَنَّهُ هُنَا قَدْ عَتَقَ حِينَ وَقَعَ الصُّلْحُ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ) أَيْ الْمَأْذُونَ لَهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيمَا هُوَ مِنْ كَسْبِهِ وَتِجَارَتِهِ، وَرَقَبَتُهُ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ وَلَيْسَتْ هِيَ مِنْ تِجَارَتِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْخِدْمَةِ؛ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى مَوْلَاهُ فِي رَقَبَتِهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَكَانَ التَّصَرُّفُ فِي رَقَبَتِهِ إلَى مَوْلَاهُ لَا إلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ بَيْنَهُ) أَيْ الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ الْمَأْذُونِ وَوَلِيِّ الْمَقْتُولِ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ صَالَحَ عَنْ الْمَغْصُوبِ الْمُتْلَفِ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْإِتْلَافِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَائِمًا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ أَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. مِعْرَاجٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا يَهُودِيًّا دُونَ الْمِائَةِ فَاسْتَهْلَكَهُ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَبْطُلُ الْفَضْلُ عَلَى قِيمَتِهِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا غَصَبَ عَبْدًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ أَقَامَ الْغَاصِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهُ أَقَلُّ مِمَّا صَالَحَ عَلَيْهِ بِكَثِيرٍ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيُرَدُّ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُسْتَهْلَكًا كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا) أَيْ جَوَازُ الصُّلْحِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ وَعَدَمُ جَوَازِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمَحَلُّ عَدَمِ جَوَازِ الصُّلْحِ عِنْدَهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَعَدَمِ جَوَازِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ مَا إذَا لَمْ يَقَعْ الصُّلْحُ عَلَى عَرَضٍ، أَمَّا إذَا وَقَعَ عَلَى عَرَضٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا كَمَا سَيُصَرِّحُ الشَّارِحُ بِهِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَتَنَبَّهْ لَهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ قَوْلُهُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَيْ مَقَالَةِ الشَّرْحِ

الصفحة 38