كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 5)

شُرْبُ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الْعَسَلِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَوْلُهُ، وَلَوْ مَجْهُولًا كَشَيْءٍ وَحَقٍّ أَيْ، وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ شَيْءٌ أَوْ حَقٌّ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُهُ مَجْهُولًا بِأَنْ يُتْلِفَ مَالًا أَوْ يَجْرَحَ جِرَاحَةً أَوْ يَبْقَى عَلَيْهِ بَاقِيَةُ حِسَابٍ لَا يَعْرِفُ قِيمَتَهُ وَلَا أَرْشَهَا وَلَا قَدْرَهَا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ بِالْإِيفَاءِ أَوْ التَّرَاضِي فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْعِلْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ»؛ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجَبُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ فَيَبْطُلُ إذْ لَا حَاجَةَ لِلشُّهُودِ بِدُونِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ وَبِخِلَافِ الْجَهَالَةِ فِي الْمُقَرِّ لَهُ سَوَاءٌ تَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ لَمْ تَتَفَاحَشْ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ لِأَحَدِ هَذَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا إذْ لَا يُمْكِنُ جَبْرُهُ عَلَى الْبَيَانِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمُدَّعَى فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ هَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَالنَّاطِفِيُّ فِي وَاقِعَاتِهِ أَنَّهَا إذَا تَفَاحَشَتْ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ تَتَفَاحَشْ جَازَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَا يَعْدُو مَنْ ذَكَرَهُ وَفِي مِثْلِهِ يُؤْمَرُ بِالتَّذَكُّرِ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ قَدْ يَنْسَى صَاحِبَ الْحَقِّ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الْحَقِّ عَنْ الْمُسْتَحِقِّ وَالْقَاضِي نُصِبَ لِإِيصَالِ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لَا لِإِبْطَالِهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ ثُمَّ نَسِيَهُ بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْمُقَرِّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجْبَارَ عَلَى الْبَيَانِ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ وَبِخِلَافِ إعْتَاقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَنْزِلْ فِي الْمَحَلِّ فَلَا يُؤَدِّي الْإِجْبَارُ إلَى إبْطَالِ حَقِّهِ؛ وَلِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَخْذِ مِنْ الْمُقِرِّ وَاصْطَلَحَا بَيْنَهُمَا أَمْكَنَ دَعْوَاهُمَا فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ
وَقَالَ فِي الْكَافِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ كَانَ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ لَك عَلَى أَحَدِنَا: أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُجْبَرُ عَلَى بَيَانِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَسْبَابِ يَتَحَقَّقُ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَغْصِبُ مَا يُصَادِفُ وَيُودِعُ مَا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ فِي قَدْرِهِ وَجِنْسِهِ وَوَصْفِهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُفَسِّرْ السَّبَبَ فَيَصِحُّ حَتَّى لَوْ فَسَّرَهُ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ، وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ يَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ بَيَّنَ السَّبَبَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ فَكَذَلِكَ
وَإِنْ كَانَ سَبَبًا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُجْبَرُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ رَأَى إنْسَانًا يَبِيعُ شَيْئًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ يَشْتَرِي بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ ثَمَنٍ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى الْأَدَاءِ فَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِهِ، وَلَوْ عَايَنَهُ يَغْصِبُ شَيْئًا لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ أَوْ يُودِعُهُ يَأْمُرُهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهِ فَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُبَيِّنُ مَا لَهُ قِيمَةٌ)؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِيهَا فَإِذَا بَيَّنَهُ فِيهِ يَكُونُ رُجُوعًا فَلَا يُقْبَلُ، وَذَلِكَ مِثْلُ حَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ قَطْرَةِ مَاءٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ عَادَةً وَلَا يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ، وَلَوْ بَيَّنَ فِي الصَّبِيِّ الْحُرِّ أَوْ الزَّوْجَةِ لَا يَصِحُّ وَقِيلَ: يَصِحُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ بَيَّنَهُ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِغَصْبِ شَيْءٍ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ إلَّا إذَا بَيَّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْغَصْبِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ مَجْهُولًا إلَخْ) قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ قَوْلُهُ بِحَقٍّ يُرِيدُ بِهِ أَنْ يَقُولَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْتُ بِهِ حَقَّ الْإِسْلَامِ لَمْ يُصَدَّقْ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيَانِ مَا لَهُ قِيمَةٌ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا مِثْلَ الْجَوْزَةِ وَالْحَفْنَةِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَغَيْرِهِمَا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْأَبْزَارِ وَغَيْرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِوَاحِدٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ زَيْدًا فِي الدُّنْيَا كَثِيرٌ إلَّا إذَا عَيَّنَ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً
فَإِنْ لَمْ تَتَفَاحَشْ فَلَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِعَلَامَةِ الْوَاوِ مِنْ الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ: جَارِيَةٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ جَازَ وَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا ادَّعَيَاهَا، وَلَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ لِلْمَجْهُولِ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ الْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ تَتَفَاحَشْ جَازَ) أَيْ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْعَبْدُ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَإِنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَخْذِهِ كَانَ لَهُمَا حَقُّ الْأَخْذِ كَذَا فِي مَبْسُوطِ أَبِي الْيُسْرِ اهـ مُسْتَصْفَى وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ تَتَفَاحَشْ مَا نَصُّهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ إذْ فَائِدَتُهُ وُصُولُ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَطَرِيقُ الْوُصُولِ بَابٌ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَخْذِهِ فَلَهُمَا حَقُّ الْأَخْذِ قَالَهُ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) هَذَا التَّصْحِيحُ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلْتُهُ عَنْ الْكَاكِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُبَيِّنُ مَا لَهُ قِيمَةٌ) أَيْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ نَحْوُ حَبَّةٍ أَوْ فَلْسٍ أَوْ جَوْزَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ قَالَهُ الْكَاكِيُّ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُقَالُ لَهُ بَيِّنْ الْمَجْهُولَ يَعْنِي إذَا لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ مَجْهُولًا لَا يُقَالُ لَهُ بَيِّنْ الْمَجْهُولَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَالَ وَقَعَ مِنْ جِهَتِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَلَكِنْ يُبَيِّنُ شَيْئًا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، نَحْوُ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ حَبَّةً أَوْ فَلْسًا أَوْ جَوْزَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَمَّا إذَا بَيَّنَ شَيْئًا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: عَنَيْتُ حَقَّ الْإِسْلَامِ أَوْ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ أَوْ نَحْوَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ.
(قَوْلُهُ فَلَا يُقْبَلُ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِالْكَلْبِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَمَالِكٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ) يَعْنِي لَوْ بَيَّنَ فِي الْغَصْبِ بِأَنَّ الْمَغْصُوبَ زَوْجَتُهُ أَوْ وَلَدُهُ قِيلَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْغَصْبِ يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَعَلَى الْوَلَدِ وَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ. اهـ. كِفَايَةٌ

الصفحة 4