كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 5)

(وَعَنْ نَقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ لَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُعْطَى أَكْثَرَ مِنْ حَظِّهِ مِنْهُ) أَيْ لَوْ صَالَحَ عَنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ حَتَّى يَكُونَ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ قَدْرُ نَصِيبِهِ بِنَصِيبِهِ وَالزَّائِدُ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ لِتَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَجَبَ اعْتِبَارُ شَرْطِ الْمُعَاوَضَةِ فِيهِ، وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَوْهُ قَدْرَ حَقِّهِ أَوْ أَقَلَّ يَكُونُ الْعُرُوض، أَوْ الْعُرُوض وَبَعْضُ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ حَاصِلًا لَهُمْ بِلَا عِوَضٍ فَيَكُونُ رِبًا وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ نَصِيبِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ أَقَلَّ فَكَانَ أَرْجَحَ وَأَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ إنَّمَا يَبْطُلُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ فِي مَالِ الرِّبَا فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ التَّنَاكُرِ بِأَنْ أَنْكَرُوا وِرَاثَتَهُ فَيَجُوزُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ مَا يَأْخُذُهُ لَا يَكُونُ بَدَلًا لَا فِي حَقِّ الْآخِذِ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ صَرْفًا فِي قَدْرِهِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرَضًا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا جَازَ مُطْلَقًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، قُبِضَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَمْ يُقْبَضْ لِعَدَمِ الرِّبَا وَإِذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ صَحَّ الصُّلْحُ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّا نَصْرِفُ الْجِنْسَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِيهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَخْرَجُوهُ لِيَكُونَ الدَّيْنُ لَهُمْ بَطَلَ)؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ وَهُوَ نَصِيبُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُمْ الْوَرَثَةُ فَبَطَلَ فِيهِ، ثُمَّ تَعَدَّى إلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ بَيَّنَ حِصَّةَ الدَّيْنِ، أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُمَا فِي غَيْرِ الدَّيْنِ إذَا بَيَّنَ حِصَّتَهُ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، أَوْ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَبَيَّنَ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الثَّمَنِ بَطَلَ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا صَحَّ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ وَفِي النِّهَايَةِ يَرِدُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي مَسْأَلَةَ الصُّلْحِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ وَزَيْتٍ فَإِنَّهُمَا قَالَا يَصِحُّ فِي حِصَّةِ الزَّيْتِ وَيَفْسُدُ فِي حِصَّةِ الشَّعِيرِ وَهَا هُنَا قَالَا فَسَدَ فِي الْكُلِّ قَالَ هَذَا مِمَّا يُحْفَظُ، ثُمَّ قَالَ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ فِيمَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مَا يُقَابِلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ إذَا بَيَّنَ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا وَتَصْحِيحًا لِقَاعِدَتِهِمَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، أَوْ تَمْلِيكٌ لِلدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَهَذِهِ حِيلَةُ الْجَوَازِ وَأُخْرَى أَيْ حِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يُعَجِّلُوا قَضَاءَ نَصِيبِهِ مُتَبَرِّعِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقْرِضُوا الْمُصَالَحَ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ وَيُصَالِحُوا عَمَّا وَرَاءَ الدَّيْنِ وَيُحِيلُهُمْ عَلَى اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَهَذَا فِي الْوَجْهَيْنِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَعْطَوْا الْمُصَالِحَ شَيْئًا بِمُقَابَلَةِ الدَّيْنِ، أَوْ قَدْرَ الدَّيْنِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ الدَّيْنُ فَقَدْ حَصَلَ لَهُمْ ضَرَرٌ دُنْيَوِيٌّ وَلَيْسَ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُمْ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُمْ قَدْرُ الدَّيْنِ لَكِنْ حَصَلَ لَهُمْ الدَّيْنُ بِمُقَابَلَتِهِ فَانْتَفَى عَنْهُمْ الضَّرَرُ إلَّا ضَرَرَ النَّقْدِ فَإِنَّ الْعَيْنَ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ وَالْأَوْجَهُ مِنْهُ أَنْ يَبِيعُوهُ كَفًّا مِنْ تَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، ثُمَّ يُحِيلُهُمْ عَلَى الْغُرَمَاءِ، أَوْ يُحِيلُهُمْ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ بَيْعِ شَيْءٍ لِيَقْبِضُوهُ لَهُ، ثُمَّ يَأْخُذُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ كَانَتْ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ وَلَيْسَ فِيهَا مَكِيلٌ وَلَا مَوْزُونٌ فَصُولِحَ عَلَى مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ) أَيْ أَبُو الْفَضْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجْهُ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ يَعْنِي الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ إنَّمَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِمَا مِنْ الْعَيْنِ فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَيْ مِنْ مُخْتَصَرِ الْكَافِي أَمَّا فِي حَالَةِ الْمُنَاكَرَةِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ مُعَاوَضَةً يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إسْقَاطًا ثُمَّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَاطِلٌ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُعَاوَضَةً فِي حَقِّ الْمُدَّعَى فَيَدْخُلُ فِيهِ مَعْنَى الرِّبَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا اهـ قَوْلُهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَيْ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِعِ) أَيْ؛ لِأَنَّ فِي حَالِ الْمُنَاكَرَةِ الْمُعْطِي يُعْطِي الْمَالَ لِيَقْطَعَ الْمُنَازَعَةَ وَيُفْدَى يَمِينُهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الرِّبَا إلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ هَذَا. اهـ. ذَخِيرَةٌ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ) أَيْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ النَّقْضِ الَّذِي قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا مِنْ اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ حَيْثُ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا فِيمَا وَرَاءَ الدَّيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ لَكِنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ فَصَارَ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَالْقِنِّ اهـ وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَفِي الْكَافِي قِيلَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا يَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا فِيمَا وَرَاءَ الدَّيْنِ وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ فَصَارَ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَالْقِنِّ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ) يَعْنِي إذَا شَرَطَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُبْرِئَ الْمُصَالِحُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ الْغُرَمَاءَ وَهُمْ الْمَدْيُونُونَ وَلَا يَكُونُ الرُّجُوعُ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِنَصِيبِ الْمُصَالِحِ صَحَّ الصُّلْحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ) أَيْ لِلدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذِهِ حِيلَةُ الْجَوَازِ) أَيْ فِي الصُّلْحِ إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي ضَرَرُ النَّقْدِ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

الصفحة 51