كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 5)

أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ مَا شَرَطَهُ لَهُ لِلْمَوْلَى فَيَكُونُ كَأَنَّهُ شَرَطَ لِلْمَوْلَى مِنْ الِابْتِدَاءِ
وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ جَازَ وَكَانَ الْمَشْرُوطُ لِغُرَمَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ مَا شَرَطَهُ لَهُ لِرَبِّ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ عِنْدَهُ فَلَا يَكُونُ الْمَشْرُوطُ لِلْعَبْدِ مَشْرُوطًا لِلْمَوْلَى فَتَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ لَهُ، وَكَذَا لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ لِلْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَبَطَلَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ لِعَبْدِ رَبِّ الْمَالِ بِلَا عَمَلٍ فَإِنَّ الْعَبْدَ إنْ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ يَبْقَى فِي مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ فَيَكُونُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَعِنْدَهُمَا الْمَوْلَى يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدِينِ فَاشْتِرَاطُهُ لِلْعَبْدِ يَكُونُ اشْتِرَاطًا لِلْمَوْلَى فَيَصِحُّ هَذَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ هُوَ الْمَوْلَى
وَلَوْ عَقَدَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ مَعَ أَجْنَبِيٍّ وَشَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى مَوْلَاهُ لَا يَصِحُّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ فَصَارَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدِينِ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ شَرَطَ بَعْضَ الرِّبْحِ لِمُكَاتَبِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ الْمُضَارِبِ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ جَازَ عَمَلُهُ وَكَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُضَارِبًا لَهُ بِاشْتِرَاطِهِ الْعَمَلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُضَارِبَ فِي مَالِ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ
وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ، وَإِنَّمَا الْمَشْرُوطُ هِبَةٌ مَوْعُودَةٌ فَلَا يَلْزَمُ وَعَلَى هَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ إنْ شَرَطَ لَهُ بَعْضَ الرِّبْحِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ عَمَلَهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَيُعْلَمُ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ اشْتِرَاطَ عَمَلِ الْعَبْدِ مَعَ الْمُضَارِبِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا، أَوْ إعْلَامًا أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ الْمَوْلَى حَتَّى لَا تَمْنَعَ صِحَّةَ الْمُضَارَبَةِ بِخِلَافِ اشْتِرَاطِهِ عَلَى الْمَوْلَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا)؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ وَكَالَةٌ وَهِيَ تَبْطُلُ بِهِ وَلَا تُورَثُ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِلُحُوقِ الْمَالِكِ مُرْتَدًّا) يَعْنِي تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ بِلُحُوقِ رَبِّ الْمَالِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا؛ لِأَنَّ اللُّحُوقَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ؛ وَلِهَذَا يُورَثُ مَالُهُ وَتَعْتِقُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ وَقَبْلَ لُحُوقِهِ يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُ مُضَارِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى النَّفَاذِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ الْبُطْلَانِ بِالْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ لَهُ فَصَارَ كَتَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ شَرَطَ لِلْمَوْلَى مِنْ الِابْتِدَاءِ) أَيْ فَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ الثُّلُثَانِ وَلِرَبِّ الْمَالِ الثُّلُثُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَبَطَلَ) فَصَارَ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَمَا سُكِتَ عَنْهُ فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا)؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ كَالْوَكِيلِ فَإِذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ بَطَلَ الْإِذْنِ فَلَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ الْمُضَارِبُ تَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَمَوْتُ الْوَكِيلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ وَلَا يَنْتَقِلُ ذَلِكَ إلَى وَرَثَتِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ الْخَاصَّةِ لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ شِرَاءِ الْمُضَارِبِ وَبَيْعِهِ وَإِذَا أَرَادَ الْمُضَارِبُ أَنْ يَرُدَّ عَبْدًا قَدْ اشْتَرَاهُ بِالْعَيْبِ فَطَلَبَ الْبَائِعُ يَمِينَ الْمُضَارِبِ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَلَا عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ مُنْذُ اشْتَرَاهُ فَنَكَلَ الْمُضَارِبُ عَنْ الْيَمِينِ بَقِيَ الْعَبْدُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا شِرَاءً مُبْتَدَأً
وَلَوْ اشْتَرَاهُ ابْتِدَاءً صَحَّ فَكَذَا إذْ اسْتَرَدَّ بِالْعَيْبِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِالْعَيْبِ يَلْزَمُهُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَمِنْهَا مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْكَافِي أَيْضًا فِي بَابِ الْمُضَارِبِ يَدْفَعُ الْمَالَ مُضَارَبَةً وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَقَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَدَفَعَهُ الْمُضَارِبُ إلَى رَجُلٍ مُضَارَبَةً بِالثُّلُثِ فَعَمِلَ بِهِ فَرَبِحَ فَلِلْمُضَارِبِ الْآخَرِ ثُلُثُ الرِّبْحِ وَلِلْأَوَّلِ سُدُسُهُ وَلِرَبِّ الْمَالِ نِصْفُهُ فَإِنْ دَفَعَ الثَّانِي إلَى ثَالِثٍ مُضَارَبَةً وَقَدْ كَانَ قَالَ لِلثَّانِي اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك لَهُ أَنْ يُشَارِكَ بِهِ وَأَنْ يَخْلِطَهُ بِمَالِهِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ إذَا قَالَ اعْمَلْ بِرَأْيِك كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ، وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَفَادَ وِلَايَةَ التَّوْكِيلِ بِالْإِذْنِ وَالْإِذْنُ وُجِدَ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً فَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ هَذِهِ الْوِلَايَةَ بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ وِلَايَةَ التِّجَارَةِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَيَمْلِكُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ، وَهَذَا نَوْعُ تِجَارَةٍ فَمَلَكَ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ
وَمِنْهَا أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا دُفِعَ إلَيْهِ الثَّمَنُ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ لَوْ هَلَكَ مَا أَخَذَهُ ثَانِيًا لَا يَرْجِعُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى وَالْمُضَارِبُ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى أَنْ يَصِلَ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْهِدَايَةِ قُبَيْلَ فَصْلٍ فِي الِاخْتِلَافِ مِنْ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَنَ إذَا تَوَى فِي يَدِ الْوَكِيلِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ثُمَّ لَوْ تَوَى ثَانِيًا لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا أَدَّى الثَّمَنَ بِأَمْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ وَإِذَا رَجَعَ مَرَّةً أُخْرَى فَقَدْ قَبَضَ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ فَلَا يَرْجِعُ ثَانِيًا بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ فَإِنَّهُ قَابِضٌ لِلْمُضَارَبَةِ لَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْمُضَارَبَةِ كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا اشْتَرَى بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ عُرُوضًا ثُمَّ عَزَلَهُ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْمُضَارَبَةِ لَمْ يَعْمَلْ عَزْلُهُ
وَإِنْ عَلِمَ بِعَزْلِهِ وَسَيَجِيءُ ذَلِكَ فِي الْمَتْنِ بَعْدَ خُطُوطٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ حَجْرَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُضَارَبَةِ بِهِ وَهُوَ حَقُّ الْبَيْعِ لِيَرْبَحَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَزِلُ إذَا عَلِمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِهِ وَمِنْهَا

الصفحة 66