كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

آمنين. حاربت -يا أيها البطل- النساء في الخدور والأطفال في المدارس والمرضى في المستشفيات!
وما هابك النساء منّا ولا الأطفال ولا المرضى، ولا رفعوا مثل العلَم الأبيض الذي رفعه قومك حين كان لهم سلاح وكان لهم خطّ ماجينو، لأن لنا نحن من إيماننا حصناً لا تهدمه قنابلك ولا تحرقه نارك.
إنني أسرد عليك -يا جنرال- حقائق ما فيها ذرّة من خيال. صورة ما رسمتها يد فنان ولكن نقلتها آلة التصوير (فوتوغراف)، هذا الجيش الذي عقدت له اللواء ورفعت فوقه العلم وائتمنته على شرف فرنسا وتاريخها، قد أهوى باللواء وطوّح بالعلم وعبث بالأمانة حين سطا بالمخازن، فكسّر أقفالها وفتح أبوابها وأخذ ما فيها. وهذا الذي وقع أسرده كما كان لا أتخيل ولا أتزيّد، وذلك يا جنرال فعل اللصوص لا عمل الجنود.
ثم عاد فأوقد فيها النار، أحالها إلى جهنّم الحمراء ليُخفي باللهب السرقة، وذلك يا جنرال صنع المجرمين لا المقاتلين.
ثم وقف يتربّص، فكلّما أقبل مَن يطفئ النار وينقذ الأطفال رماه فأصماه، وهذه حقائق أسردها لا خيالات أتخيلها، وذلك عمل القتلة السفّاكين لا الأبطال المحاربين.
جيشك يا جنرال هاجم المستشفى الوطني وسلّط ناره من أفواه رشاشاته ومدافعه على الجرحى والمرضى، ولم يقدر بعد ذلك إلاّ على أربع ممرّضات شوابّ (شابّات) أخذهن «سبايا»!

الصفحة 107