كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

واشتعلَت النيران في الدور وانتشر الحريق بشكل مخيف، فخرجنا إلى الشارع وشاهدنا الناس آتين من جهة موقع الحريق يحملون ما خفّ من الثياب والأمتعة هرباً من النار، ثم أعقبَتهم جموع السكان وانتشر الذعر بينهم، وساد الاعتقاد بأن الحيّ كله سيكون فريسة للنيران وليس ثمة فرقة إطفائية قادرة على الحضور لأن الجنود الإفرنسيين كانوا يمنعونها من الوصول إلى مكان الحريق لإطفائه.
ثم بيّن في تصوير صادق أمين كيف استطاعوا أن يصلوا إلى دار رئيس الجمهورية شكري بك القوّتلي، وكان مريضاً مرضاً ثقيلاً في داره. أعود إلى رواية كلام خالد العظم، قال: وهنالك استطعنا الوقوف على تسلسل الحوادث خلال اليومين السابقَين، فعلمنا أن رئيس الجمهورية استدعى وزير بريطانيا المفوّض فجاء داخل دبّابة إنكليزية، فاستقبله الرئيس وبلّغه احتجاجاً شديداً على أعمال الجيش الإفرنسي وطلب منه تدخّل حكومته لوقف هذا الاعتداء ومعالجة الأمر بالسرعة، فاقترح عليه المستر شون أن ينتقل إلى حيث يكون أقلّ تعرّضاً لأيّ تشبث فرنسي للقبض عليه وألمح إلى إمكان نقله إلى عمّان بحماية الدبّابات الإنكليزية، فرفض الرئيس بإباء وشَمَم ترك المجال فسيحاً أمام الإفرنسيين وقال: إذا كنت سأخرج من داري فسأخرج بسيارة الإسعاف إلى سرايا الحكومة حيث أمكث هناك، وليأتِ الإفرنسيون ليقبضوا عليّ هناك إذا تمكّنوا من أخذي حياً.
ثم هدّد الوزيرَ البريطاني بأنه سيفعل ذلك إذا أعيَته الحيلة ولم تبادر إنكلترا إلى التدخّل في الأمر، فتحمّس الوزير وعاد

الصفحة 113