كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

وكان الأستاذ أحمد أمين قد أجاب قبل هذا التاريخ بعشر سنين (سنة 1933) على سؤال كنت وجّهته إلى «الرسالة» وهو أوّل ما نشرت فيها، فأجاب الأستاذ الزيات جواباً موجَزاً وأجاب الأستاذ أحمد أمين جواباً مفصّلاً، وقد مرّ خبر ذلك. وكان الأستاذ أحمد أمين من أركان «الرسالة» العاملين فيها، فلما انفصل منها وأنشأ مجلّة «الثقافة» (التي صارت الأخت الصغرى للرسالة) تفضّل فكتب إليّ مرتين أن أنشر بعض مقالاتي في «الثقافة».
وأنا إن أقبلت على «الثقافة» أمداً فما أعرضت عن «الرسالة» أبداً، ولئن واصلت الأستاذ أحمد أمين حيناً فما انقطعت عن الزيات، وما زلت أعدّه الأخ الكبير المتفضّل، ولكنني لمّا دخلت القضاء وانصرفت إلى كتب الفقه والقانون انقطعت عن الأدب وأهله وعن الكتابة فيه، حتى إن لي في «الرسالة» سنة 1940 مقالة عنوانها «أنا والقلم» (¬1) أقول فيها:
أعترف أنها قد جفّت قريحتي فما عادت تبضّ بقطرة، وكَلّ ذهني ومات خيالي، ومرّت عليّ أيام طوال لم أستطع أن أخطّ فيها حرفاً، وعُدت من العيّ والحصر كأول عهدي بصناعة الإنشاء، وأصبحت وكأني لم أكن حليف القلم وصديق الصحف، وكأني لم أجرِ للبلاغة في مضمار.
والمقالة طويلة، قلت فيها:
وأنا قد بدأت صحفياً لا كاتباً، والصحفي يعيش مع الناس،
¬__________
(¬1) وهي منشورة في كتاب «من حديث النفس» (مجاهد).

الصفحة 14