كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

هي الأدبَ الحقّ. فكفى المرء أدباً أن يقرأ حتى لو أخطأ رفع المبتدأ ونصب الحال، ما دام هو أو السامع قد فهم مغزى الكلام ... وهذا رأي ينادي على نفسه بالخطل.
وتزعم طائفة أخرى أن الأدب في التضلّع من غرائب الكلِم وأنّ من لم يُحِط علماً بذلك لا يُسمّى أديباً ... هذان رأيان من آراء الشيوخ، وهما متناقضان. وطائفة معتدلة ولكنها تقصر علمها وتحصر نهضتها في غرف الدرس وحلقات السمر، لم تُخرِج بعدُ ثمرة ولم تقُم بمجهود ...
إلى أن قال: أمّا الشباب ففرقتان: فرقة كان موطن ثقافتها مصر وفرقة رضعَت لبان الأدب في فلسطين ولبنان. فالذين تثقفوا في مصر يرون أن خير طريق لإنهاض الأدب هي الطريق التي تسير فيها جمهرة أدباء مصر، وتعتمد على دراسة النصوص وفهمها ونقدها ... أما الفرقة الأخرى فهي تقصر الأدب على رقيق الغزَل وبارع الخيال في الكلم وما يبدع من مقالات الصحف السيارة، حتى إنهم ليعدّون رئيس تحرير جريدة أديباً إذا ما أنشأ كلمة في علاج شؤون البلاد.
إلى أن قال: ولا يحزن القارئ من عرض هذه الصورة، فإن الواقع هو هذا الاضطراب في الحياة الأدبية عندنا، ففلسطين كان أدبها معدوماً وكان أدباؤها غير مخلوقين قبل سنين (وعلّل ذلك بأن الأتراك كانوا يتآمرون على الأدب العربي). وختم مقالته بقوله: بَيد أن هذا الاضطراب والاحتكاك يلمع ببرق أمل في النهضة الأدبية ويبشّر بانتظام حياة أدبية بجهد الشباب والمعتدلين من

الصفحة 21