كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

كادت تُزري بتقدّم البلاد من النواحي الأخرى. أمَا وقد قرأت هذا فيحسن بي أن أضمّ صوتي إلى أخوَيّ الدمشقي والبغدادي وإخوتي الآخرين، فأكتب كلمة عن الحياة الأدبية في المغرب ليعرف القُرّاء أن المغرب قد اغترف غرفة ممّا غرفت منه دمشق وبغداد.
إلى أن قال: إذا نظرنا إلى المغرب الحديث وأردنا أن نسبر غور الحياة الفكرية والعلمية والأدبية بمسبر نعرف به مدى ما بلغته من الرقيّ أو الانحطاط، من القوة أو الضعف، من النهوض أو الجمود، إذا أمعنّا النظر استطعنا أن نخرج بنتيجة لا تُرضي. تلك النتيجة هي -في صراحة- أن المغرب الأقصى يتخبّط في ديجور من الجهل قاس، وفي بساطة فكر مفرطة، وفي خمود وجمود لم يسبق لهما مثيل في عصوره التاريخية.
إذا تساءلنا: هل هناك حركة فكرية أو علمية تسود المغرب الأقصى حتى يجني من ورائها ما يزيح به هذه الظلمة التي تغمره من أقصاه إلى أقصاه؟ لم نجد إلاّ كلّية القرويين التي أنجبَت فطاحل علماء المغرب. نخرج بالنتيجة الآتية، وهي أن الحركة التي نبتغي البحث عنها وعن مظاهرها هي شيء لم يوجد حتى الآن، غير أن هناك شبح حركة علمية تغذّيها كلية القرويين ونظامها الجديد، ولكن على حال مشوَّهة لا تُرضي، ولن تُرضي إذا بقيَت الحال كما نرى. فإذا ما أطلقنا عليها «حركة علمية» فقد عرّضنا أنفسنا لظلم الحقيقة والتاريخ.
إلى أن قال: أمّا الحياة الأدبية فليست أحسن حالاً من الحياة العلمية، بل إننا نجدها أضعف منها وأحطّ بكثير ولم نجد هناك

الصفحة 28