كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

فيها من كل شيء، وهي مرتفعة عن الطريق، والبيّاعون يقعدون متربّعين في وسطها كما كان يفعل تُجّار سوق الخيّاطين في الشام. وفيها حارات وأسواق ضيقة ملتوية، منها ما لا يتّسع إلاّ لمرور رجلين اثنين، وقد رأيت مثلها في الرياض (في الديرة) لمّا زرتها أوّل مرة من أكثر من نصف قرن.
وهي كمدن الهند جميعاً، معرض عجيب لكل ما يتصوّر الإنسان من ألبسة وأزياء، فأنت ترى امرأة قرويّة مسلمة قد لبسَت كيساً، كيساً حقيقياً معلّقاً برأسها، يُخفي كل شيء من جسمها حتى يديها ويمسّ وجه الأرض فيستر قدميها، وأمام عيونها كوّتان بمقدار العين قد أُسدِل الكيس عليهما. وأخرى تلبس الزيّ البنجابي، وهو الزيّ الشائع للمسلمات ولا سيما في باكستان، وهو مؤلّف من سروال طويل كسراويل المَنامة (البيجامة)، فوقه قميص إلى الركبتين ومنديل (خمار) من قماشه يستر الرأس، وهم يَفْتَنّون في ألوان هذا الزيّ افتناناً. وثالثة تلبس الساري، وهو قماش غير مَخيط يُلَفّ لفاً على الجسد ليستر إحدى الكتفين وأكثر الظهر ويترك البطن حول السرة مكشوفاً، ويُعرف بالزيّ البنغالي. وهو في الأصل لغير المسلمات، ولكنني رأيت بعض المسلمات يتخذنه. والساري أنواع منوّعة وأشكال مشكّلة، منه ما يبلغ ثمنه الآلاف.
والرجل منهم يلبس الشّرواني، وهو اليوم اللباس الرسمي لباكستان. ومنهم من يتخذ العمامة الضخمة جداً ويُطيل لحيته، وهو لباس السيك (السيخ)، وحلقُ الشعر حرام في مذهبهم، لذلك تراهم يتعبون أشد التعب باللحى التي تطول وتعرض ولا يدرون ماذا يصنعون بها وقد مُنعوا من قصّها وحلقها، فهم يربطونها

الصفحة 280