كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

بالخيطان أو يضفرونها ضفراً، مع ما في الهند من حرّ ومع ما يكون فيها من العرق الشديد. وربما رأيت رجلاً بلحية هائلة تبلغ بطنه وعمامة بمقدار رأس الفيل الصغير، وتحت ذلك بنطال قصير لا يستر إلاّ أربعة أصابع من أعلى الفخذ!
وعلماء المسلمين يتّخذون في الهند قميصاً واحداً يبلغ الركبتين تحته لباس (سِرْوال) (¬1) طويل، وعلى الرأس كمة (طاقية صغيرة)، وكل ذلك من الخام أو الكتان. ومن الرجال من يتخذ الزيّ الإفرنجي، ولكنه يلبس على البنطال (البنطلون) قميصاً ينسدل عليه من فوقه بدل الرداء (الجاكيت) الذي لا يُحتمَل في ذلك الحرّ.
وكنت أسير مرة في السوق الكبير في دهلي القديمة، فسمعت طَبْلاً وزمراً ورأيت جوقة موسيقية (الجوقة كلمة عربية، أي الأوركسترا) ووراءها موكب ضخم وجَمَل قد عُلِّقت به عشرات الأجراس الصغيرة، وفوقه هودج فيه فتاة تلبس ثياباً تكشف من جسدها أكثر من الذي تستره، فعجبت من ذلك فحاولت بالكلمات العشرة التي تعلّمتها من الأردية وبمثلها من الإنكليزية، وبالإشارات والحركات أن أفهم ما هو، فإذا هو ... موكب إعلان عن حفلة مسرحية.
وسمعت مرة أجراساً قوية تجلجل بصوت حادّ يكاد يثقب طبلات الآذان، فتتبعت الصوت فإذا أنا أرى بيتاً في وسطه غرفة، على بابها أصنام قبيحة النحت لها بدل اليدين أزواج كثيرة من
¬__________
(¬1) والعرب تقول: «سَراويل».

الصفحة 281