كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

الأيدي، وكلّما دخل البيت داخلٌ صُبّ الماء على رأسه حتى صارت أرض البيت كالبِركة، ثم وقف الناس صفّين عن طرفَي الغرفة، وأنا أراهم من خارجها وأسمعهم يتبادلون الصياح العجيب بأصوات عالية، والأجراس تُقرَع بشدّة وعنف. فسألت فقالوا: إن البيت معبد وهذه هي صلاة القوم فيه. {وما كانَ صَلاتُهم عِندَ البيتِ إلاّ مُكاءً وتَصْدِيَة}.
ومن العجيب أن الذي يقف وسط دهلي الجديدة يرى شارعاً طويلاً، على طرفه الأيمن قبّة بعيدة تلوح من بعيد وعلى طرفه الأيسر قبّة مثلها: هذه قبّة قبر نائب الملك أيام كان ملك الإنكليز هو الحاكم الأعلى للهند، وتلك قبّة المسجد الجامع أيام كان المسلمون هم حكّامها. يقف على طرفَيه الماضي والحاضر والشرق والغرب، متقابلَين متعادلَين.
أمّا قصر نائب الملك فلست أدري كيف أصفه لكم. إن قصر عابدين في القاهرة يبدو إلى جنبه بيتاً عادياً، بل هو أكبر -كما قالوا- من قصر الملك في لندن. فيه داران كبيرتان عاليتان مشمخِرّتان على الجانبَين، وبينهما الدار الكبيرة وفوقها قبّة شامخة تنطح النجم، وهو من سعته كأنه مدينة كاملة.
وأما المسجد فهو من أعظم مساجد الهند، بل هو من أعظم مساجد الأرض، لم أرَ أروع منه. وهو قائم على قاعدة يُصعَد إليها على درَج عريض جداً يزيد على أربعين درجة، وله سور عالٍ فيه ثلاثة أبواب على كل باب بُرج كأنه عمارة، فإذا صعدت الدرَج ودخلت وجدت صحناً رحيباً أوسع من صحن الجامع الأموي في

الصفحة 282