كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

الشام، لكنه مربّع، وفي صدره مكان الصلاة. وهو على الطراز المغولي: له واجهة عالية فيها ثلاثة أقواس: الأوسط مها بعلوّ سقف الأموي، وفوق السقف قبّة أعلى من قبّة قصر نائب الملك. وهو من بناء شاه جيهان (أي ملك الدنيا)، منشئ تاج محل أجمل أبنية الأرض. وأمامه القلعة الحمراء، سُمّيت بذلك لأنها مبنيّة بنوع نادر من الحجر لونه أحمر، وتُدعى القلعة تجوّزاً، وهي في الحقيقة بلد كامل، فيها قاعات وأبهاء لا تكاد تقلّ في روعة نقشها وبراعة تزيينها عن قاعات الحمراء في الأندلس.
ولمّا وقفت عليها وأحاط بي صمتها وهدوؤها أحسست كأني قد انفصلت عن حاضري وغبت عن نفسي، وأنني قد عُدت إلى الماضي القريب. وشعرت كأني أسمع في أرجاء القلعة دويّ الطبول وهتاف الجند، وصدى الأذان تردّده منارات المسجد، وأرى خفق الراية الإسلامية على رأس الإمبراطور أورانك زيب الملك المسلم الصالح، وأبصر جحافله ترمح ظافرة من سمرقند والأفغان إلى سواحل الهند كلها، تقطف ثمار النصر وتنثر في الأرض نور القرآن وعدالة الإسلام.
وتنثال عليّ صور الأمجاد الخالدة لهذه المملكة العظيمة، التي أقامها مجاهدون كِرام اختلفَت ألسنتهم وتباعدَت أنسابهم، ولكنْ جمعهم الإسلام، ووحدة المبدأ الذي هو توحيد الله، ووحدة الغاية التي هي العمل لما يرضي الله. وإذا جاءت وحدة الإسلام لم يضر معها اختلاف جنس ولا لسان. مِن فتح محمد بن القاسم العربي الثقفي، إلى فتح محمود الغزنوي التركي الأفغاني، إلى فتح بابر المغولي. وكلهم مجاهد في سبيل الله عامل على إعلاء

الصفحة 283