كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

يوم الحنّاء كان من الأيام الحلوة التي تسبق يوم العرس، فتكون كالتمهيد له والمقدّمة بين يديه. تصوّروا أن قطر الندى غفلَت عنه فجاء من ينبّهها إليه ويبعث فرحتها به، فلما ماتت عادوا يدعونها إلى يوم الحنّاء. وهل توقظ الذكرى من أَوْدى به الرّدى؟ ذلك هو مبعث شَجَني حين أسمع مثل هذه الأغنية.
وزعم بعض الباحثين أن قطر الندى في الأغنية هي قطر الندى بنت خُمارويه بن أحمد بن طولون لمّا زُفّت إلى الخليفة المعتضد، فإن صحّ هذا يكون عمرها أكثر من ألف سنة. وأنا هنا ناقل لست بقائل، فلا تطالبوني بالدليل فما لديّ على ما نقلت دليل.
* * *
وبعد، هل سمعتم -يا أيها القُرّاء- بالذي يمشي في نومه؟ أنا ذلك الرجل. لقد مشيت وراء فكرة لاحت لي فتركت طريقي وابتعدت عن غايتي، فعفوكم عني وسامحوني. كنت أتكلّم عن يوم الجلاء، يوم 17 نيسان (أبريل). يسأل العقّاد عن رَبع الشام هل هو عامر أم هو خالٍ؟ إن الشام يا أستاذ ما خلا من أهله، ولكن خلا مِمّن يعرف حقاً ما يوم الجلاء.
تحت يدي الآن عدد يوم الإثنين الرابع من جمادى الآخرة سنة 1365 من مجلّة «الرسالة». في هذا العدد وفي الذي بعده مقالتان لي عن يوم الجلاء، فأنا أقرؤهما وأسائل نفسي: ماذا يحسّ الشباب الذين لم يدركوا تلك الأيام حين قراءتهما؟ إنهم يقرؤونهما كما يقرؤون قطعة أدبية، كل ما يهمّهم منها نقد أسلوبها وكشف محاسنها وعيوبها، ثم لا تقرع في قلوبهم وتراً حياً ولا تبعث في

الصفحة 289