كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

كان لهذه المقالة دويّ في الشام كبير، وتناوشَتني فيها أقلام حاولَت أن تمزّق جلدي وتهتك عرضي لأنني -كما زعم أصحابها- شوّهتُ جمال يوم الجلاء بهذه الانتقادات.
وأنا أكتب وأخطب من ستّين سنة كاملة، من سنة 1345هـ، أكسبني قلمي إخوة وأصدقاء وخصوماً وأعداء، فاتّخذ خصومي من هذه المقالة وما جاء بعدها مطعناً فيّ وقدحاً في وطنيتي، ونسوا أنني كتبت في نضال المستعمرين من المقالات وألقيت من الخطب والمحاضرات ما زاد على المئات، ووُلّيت رياسة لجنة الطلاب العليا (أي ما يُسمّى اليوم باتحاد الطلبة) مدّة سنتين من 1929 إلى 1931، يوم كان هؤلاء المنتقدون في ظهور آبائهم لم يخرجوا إلى الوجود أو في بطون أمهاتهم، أو كانوا أطفالاً يبولون في سراويلاتهم! ونسوا أني بذلت ما لم يبذلوا ولذلك فرحت بيوم الجلاء أكثر ممّا فرحوا، ولكن الفرحة لا تُنسي الشريف شرفَه ولا المسلم إسلامه ولا الرجل رجولته.
كان عنوان المقالة «إبراهيم هَنانو قال لي»، ولم ينتبه أحدٌ إلى أنه كان قد مرّ على موت إبراهيم هنانو رحمه الله أحد عشر عاماً، فقد مات سنة 1935.
قلت في أولها: هذا إنذار أستحلف كلّ قارئ من قُرّاء «الرسالة» في الشام أن يُحدّث به وينشره ثم يحفظه، فإنه سيجيء يوم تضطرّه أحداثه أن يعود إليه فيقول: يا ليته قد نفعنا هذا الإنذار، يا ليت ... ويومئذ لا تنفع «ليت» شيئاً، لأنها لا تردّ ما ذهب ولا ترجع ما فات.

الصفحة 304