كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

وهذا إعذار إلى الله ثم إلى كُتّاب التاريخ، لئلاّ يقولوا إنها لم ترتفع في دمشق صيحة إنكار لهذا المنكر ولم يعلُ فيها صوت ناطق بحقّ، وإن كُتّابها وأدباءها حضروا مولد سنّة من ألعن سُنَن إبليس فلم يقتلوها وليدة ضعيفة، بل تركوها تكبر وتنمو حتى صارت طاعوناً جارفاً، حتى غدت ناراً آكلة، حتى استحالت داهية دهياء أيسر ما فيها الخسف والمسخ والهلاك. ونعوذ بالله من تذكير لا ينفع وإنذار لا يفيد.
وبعدُ، فقد حدّثني صديق لي فقال: كنت أمس في مجلس، وكنّا نتحدث فيما كان يوم العرض يوم الاحتفاء بالجلاء من مناظر «الكشّافات» ومنظر «الأسير والعروس» حديث إنكار وأسف لِما كان، ونعجب كيف جاز على رجال هذا العهد الوطني وهم فيما كنّا نرى أهل الشهامة والمروءة والغيرة على الأعراض. وكان في المجلس الزعيم الجليل عضو مجلس النوّاب: إبراهيم بك هنانو.
* * *
وكتبت قصّة تخيلتها يتوهّم من يقرؤها أنها واقعة، على طريقة الأستاذ زكي مبارك لمّا كان يخترع مجالس لطه حسين وأحمد أمين يقوّلهما فيها ما لم يقولا ويضع على لسانيهما ما شاء هو من أقوال. على أن هذا القصّة ما جاء فيها إلاّ ما هو حقّ، إن لم يقُلْه مَن نسبتُه إليه فإنه كلام صحيح وفيه موعظة ونصح.
قلت فيها على لسان واحد من أذناب الفرنسيين وأعوانهم مِمّن رفعوهم إلى المناصب العالية: لئن كُتب عليكم (والخطاب

الصفحة 305