كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

للفرنسيين) أن تذهبوا فإنكم ستعودون عاجلاً ثم لا تذهبون أبداً. إني سأنتقم لكم وسأعدّ وحدي العدّة لعودتكم، سأصنع في ليالٍ معدودات ما لم تصنعوه أنتم في ربع قرن وتسعة أشهر. سأريكم قوّتي. وليست القوّة أن تسوق على عدوّك العسكر اللجب والمدافع والدبابات تضرب بها قلعته، ولكن القوّة أن تأتيه باسماً مصافحاً، فتحتال عليه حتى يفتح لك قلعته بيده فإذا أنت قد امتلكتها بلا حرب ولا ضرب.
إني سأدسّ لهم دسيسة في يوم الجلاء ... لا أصبر والله حتى ينتهي العيد، لأنها فرصة إن لم أغتنمْها لم أكَدْ أجد مثلها. وأنا أعرَف بأهل بلدي (وإن لم يكن دينهم من ديني): إنهم لا يؤتَون بالقوة ولا تنفع فيهم، وقد جرّبتم ورأيتم، فما قتلتم منهم كارهاً لكم إلاّ وُلد عشرة هم أكره منه لكم، وما هدمتم داراً من دورهم إلاّ هدمتم معها ركناً من انتدابكم عليهم، ولا أشعلتم النار في حيّ لهم إلاّ كانت هذه النار حماسة عليكم في قلوبهم ونار ثورة تُتعِبكم. وهم لا يؤخَذون بالشُّبَه تلقى عليهم في دينهم، إلاّ قليلاً منهم. ولا بالثقافة التي تحمل الإلحاد والكفر تحت عناوين العلم والفنّ، لا يقبل ذلك إلاّ قليل منهم. وما جئتموهم بكتاب ظاهر فيه هدم لدينهم إلاّ أثرتم عليكم مشايخهم وجمعياتهم فهبّوا يدافعون، فإذا أنتم قد قوّيتم بعملكم إيمانهم في صدورهم. وما يُنالون بالقوانين التي تُبطِل قرآنهم، وقد علمتم حينما جرّبتم في المغرب أن تأتوهم بالظهير البربري الذي أرجعتموه هنا لابساً ثوب «قانون الطوائف». ألا تذكرون ماذا جرى عليكم حتى أبطلتموه بأيديكم؟ ولا بالأموال التي تشترون بها ضمائر زعمائهم وقادتهم،

الصفحة 306