كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

لأن من هذه الضمائر ما هو كالوقف عندهم: لا يُباع ولا يُشترى ولا يوهَب. ولا بإرهاب الزعماء وحبسهم، وهذا هو الرجل الذي ضربه سنة 1936 رجالُكم بعصيّهم، صار هو رئيس الجمهورية التي تخرجون غداً منها.
فقال له فلان الفرنسي: ومن أين تأتيهم أنت؟ وهل تقدر على ما عجزت عنه فرنسا؟
قال: نعم، ولو كنتم قد سمعتم مني ما عجزتم. إنّي آتيهم من الباب الذي لا يستطيع أن يراه أحد مفتوحاً إلاّ ولجه. إني أحاربهم بغرائزهم فأجعلهم يهدمون بيوتهم بأيديهم، وأثير عليهم نساءهم وأثيرهم على نسائهم، وأُلقِي الضعف والخوف فيهم فأفسد عليهم رجولتهم وأخرب أسرَهم، وأجعل جيشهم أخشاباً قد شُغلَت كل خشبة بهواها ولذّتها. إني آتيهم من باب الغريزة الجنسية الذي لم تدخل منه أمّة بغير زواج إلاّ أدخلَت معها النار التي تحرقها والتي لا تخرج أبداً منها.
قال الفرنسي: أما أدخلناهم نحن من هذا الباب؟ أما قلنا لهم إن تعريض أجسام الشباب والشابّات للشمس صحّة لهم وقوّة، فأبوا وقالوا: كلاّ، إنه تعريص (بالصاد)؟ أما قلنا لهم إن هذا الحجاب همجية ووحشية ورجعية وإن التقدم والمدنية بالسفور؟ أما أنشأنا لذلك جمعيات من النساء؟ أما فتحت هذه الجمعيات مدارس؟ أما صنعت هذه المدارس أكثر ممّا صنعت مدرسة الفرنسيسكان؟ إننا لم نصل بعد ذلك كله إلى شيء.
قال الآخر: إن الصبر عند الصدمة الأولى، فإذا استطعتُ أن

الصفحة 307