كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

العروبة إنما هي في تقديس الأعراض لا في امتهانها.
وكان في العرض مناظر كثيرة من أمثال هذا المنظر، قالوا إنها لوحات حيّة تعبّر عن الفرح والسرور! وأُخذت صور هذا كلّه فنُشرت في الجرائد وعُرضت في السينمات، فازدادت جرأة الناس على نقض عُرى الأخلاق، حتى رأينا صور ناس من كبارنا مع نسائهم عراة على سِيف البحر منشورة في المجلاّت!
قالوا: إنه يوم النصر يجوز فيه ما لا يجوز في غيره. وكذبوا فيما قالوا، فإن المرأة التي تزلّ يوم العيد كالتي تزلّ يوم المأتم، والناس يزدرونها من غير أن يسألوا عن تاريخ زلّتها.
وكان ممّا كتبت في «الرسالة»:
ألا من كان له قلب فليتفطّر اليوم أسفاً على الحياء. من كانت له عين فلتبكِ اليوم دماً على الأخلاق. من كان له عقل فليفكّر بعقله، فما بالفجور يكون عِزّ الوطن وضمان الاستقلال، ولكن بالأخلاق تُحفَظ الأمجاد وتسمو الأوطان.
فإذا كنتم تحسبون أن إطلاق الغرائز من قيد الدين والخلق، والعورات من أسْر الحجاب والستر، إذا ظننتم ذلك من دواعي التقدّم ولوازم الحضارة وتركتم كلّ إنسان وشهوتَه وهواه، فإنكم لا تحمدون مغبّة ما تفعلون، وستندمون -ولات ساعةَ مَنْدَم- إذا ادلهمَّت المصائب غداً وتتالت الأحداث، وتلفّتّم تفتّشون عن حُماة الوطن وذادة الحِمى، فلم تجدوا إلاّ شباباً رخواً ضعيفاً لايصلح إلاّ للرقص والغناء والحب. فاللهَ اللهَ للأمّة والمستقبل!
إنّنا خرجنا من هذا الجهاد بعزائم تزيح الراسيات وهِمَم

الصفحة 309