كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

الفرنسيون أقاموا في الشام ربع قرن فما تعرّضوا لعالِم من العلماء ولا لشيخ من المشايخ، ولكننا لمّا حكَمنا اتخذنا ممّا صنع جُهّالنا وسفهاؤنا حُجّة فحاولنا النيل من علمائنا ومن مشايخنا. حتى إن الشيخ محمد الأشمر، وهو أحد الصالحين الذين ثاروا على الفرنسيين وأبلوا في قتالهم البلاء المبين، وكانت داره حِمى لمن دخلها لم يجرؤ فرنسي أن يدنو منها فيدخل عليه فيها. فلما كان عهد الاستقلال وكان رئيس الوزارة الرجل الوطني ... سعد الله الجابري، وأخوه إحسان الجابري كان في أوربّا رفيقَ أمير البيان شكيب أرسلان وكان زميلَه في دفاعه عن بلادنا وعن ديننا. سعد الله الجابري هذا أمر باقتحام دار الشيخ محمد الأشمر وبسحبه منها إلى السجن!
كما أسيء إلى كثير من الأفاضل والعلماء، فكتبت في «الرسالة» (عدد يوم الإثنين 6 شوّال 1365) مقالة عنوانها «دفاع عن الفضيلة»، خاف عليّ الأستاذ الزيات رحمه الله من تبعاتها فمحا اسمي (بموافقتي) من رأسها وكتب أنها لأحد الكُتّاب، ولكن الذي يضع فهارس الرسالة لم يتنبّه لهذا أو لم يخبره به الزيات، فوضع على غلاف الرسالة أن المقالة لفلان (أي لعلي الطنطاوي).
وكان الأستاذ الزيات يحبّ الرفق والاعتدال ويريد ذلك من كُتّاب مجلّته، فيقصّ بموافقتهم من حواشيها إذا هي طالت ويقصّر من أشواكها إذا أوشكَت أن تؤذي بحدّها. فمنهم من كان يرضى بذلك ويوافق كارهاً عليه كالدكتور زكي مبارك، ومنهم من كان يأبى أن يُبدَّل في كتابته شيء ولا يرضى إلاّ أن تُنشَر كاملة

الصفحة 312