كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

من جهاتها الأربع، لها طُنُف وشرفات دائرة بها، وأسرّة الطالبات تظهر من الطريق، فإذا نهضنَ من النوم رآهن مَن يمشي في الشارع بثياب المنام! ثم يدفعون خِرّيجات دور المعلّمات فيعملن حفلة خيرية، فلا يجدن لها مكاناً في دمشق إلاّ ... مرقص العباسية! ويطبعن في البطاقة أنه سيغنّي فيها فلان من فَسَقة المغنّين وترقص فلانة الراقصة المحترفة رقصاً بلدياً.
ثم ... ثم ماذا؟ الله وحده يعلم ماذا يكون أيضاً، وإلى أين نسير، وإلى أين المصير. (هذا ما قلته يومئذ وقد عشنا حتى رأينا ماذا كان بعد هذا. وسيأتي حديثه إن شاء الله).
وقد نزلَت هذه الضربات على وجه الفضيلة متلاحقة متتابعة، لا تصحو من واحدة حتى تحسّ بالأخرى، وهم يريدون منّا مع ذلك أن نسكت ولا نقول شيئاً لئلاّ نشوّه -كما زعموا- جمال العهد الوطني.
كلاّ؛ إن العهد الوطني هو الذي تنتصر فيه الفضيلة ويسود الحقّ ويُحفَظ العفاف. كلاّ ولا كرامة‍! إنها أعراض بناتنا وأخواتنا، ولو كانت غير الأعراض لهاوَدْناكم عليها، ولكن لا هوادة في العِرض ولا في الدين.
إنها حياة هذه الأمة؛ لا تحيا أمّة بلا أخلاق. أفئن قامت فئة من العامّة بما لا يُرضى عنه وانتهكَت الحرمة التي تزعمونها لحرمكم الذي تدعونه، وهي السينما، وتجاوزَت على حياء الفاضلات «المطهّرات» من النساء المتبرّجات! نسكت كلنا عن نصرة الفضيلة إلى يوم القيامة؟

الصفحة 324