كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

(إلى أن قلت): ثم ما هذه الحُرّية التي طبّلتم لها وزمّرتم وهوّلتم وعظّمتم، وجعلتم الاعتداء عليها كفراً بدين الحضارة وإلحاداً بشرعة الديمقراطية؟ أهي حُرّية المرأة أن تكشف ما تريد من جسمها متى أرادت وأين شاءت؟ أهي حرية ناظر المدرسة أن يحوّل مدرسته إلى ماخور؟ أهي حُرّية الفسوق والعصيان؟ أهذه هي الحُرّية المقدَّسة عندكم؟
إنكم يا أيها السادة بين أمرين: إما أنكم تقولون ما لا تفهمون، وإما أنكم تسترون بهذه الأسماء الحلوة أغراض نفوسكم ورغبات أجسادكم. وإلا فخبّروني: أيّ أمة تصنع مثل هذا الصنيع؟ العرب؟ إن العرب أغيَرُ الناس على الأعراض، وإن كلمة العِرض في لسانهم لا تقابلها كلمة في ألسُن الأمم تُترجَم بها. المسلمون؟ إن الإسلام أمر بِغَضّ البصر وستر العورة ولَعَن الناظر إليها والمنظور. الفرنسيون؟ إن الفرنسيين يكشفون أفخاذ الشباب في الملعب، فعلامَ تكشفونها أنتم في سوق الحميدية وهو للبيع والشراء وفيه الرجال والنساء؟ وهو كالموسكي في مصر والشورجة في بغداد. إن الفرنسيين يُنشئون بيوتاً للهو واللذّة وبيوتاً للعلم، وأنتم جعلتم بيوت العلم بيوت لذّة ولهو! وإن الفرنسيين كانوا يسترون سيقان الجند، فلما استلمتم أنتم الجيش كشفتم عن أفخاذهم! الروس؟ إن الروس فصلوا بين الجنسَين في المدارس لمّا رأوا بالتجرِبة أن الاختلاط لا يأتي بخير، وأنتم تسعون الآن بكل طريق لجمع الجنسين في المدارس.
هل تعرفون ماذا يُسمّى الذي يجمع الجنسين من غير عقد زواج؟ لا أوجّه هذا الحديث للمسلم وحده، بل لكل من قال أنا

الصفحة 325