كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

عربي، لأن من صفات العربي التي تقوم عليها عروبته الشهامة والغيرة على الأعراض. ومن ادّعى العربية ولم تكن له على العِرض غيرة ولم يغضب لحُرَمه فهو كذّاب دَعِيّ ليس بعربي.
وسيقول عني ناس من القُرّاء: هذا رجل معروف بالدعوة إلى الرجعية فلا تسمعوا له، إنه يريد أن يعود بنا إلى الوراء ونحن نريد أن نتقدّم إلى الأمام.
وهذا كلام لا يُناقَش، إنما يُناقَش كلام مؤيَّد بحُجّة، إنما يُسمَع اعتراض قائم على منطق، إنما يُقرَع الدليل بالدليل. فهل في هذا الكلام حُجّة أو منطق أو دليل؟ أنا أدعو إلى مناظرتي كلَّ مخالف لي، على أن يكون في رأسه عقل وفي يده قلم أو في فمه لسان. أمّا الذين حفظوا كلمات فهم يردّدونها كالببغاوات لا يحاولون فهمها، فلا شأن لي معهم ولا وقوف لي عليهم.
يقولون «رجعية». فما الرجعية؟ هي الرجوع إلى الماضي، أي إلى أخلاقه وعاداته (فما يمكن أن يُرجَع إلى زمان مضى). فهل الرجوع إلى مثل أخلاق المسلمين الأوائل نفع أو ضرر؟ وهل يكون الداعي إلى تلك الأخلاق مُصلِحاً أو مفسداً؟ هذه هي الرجعية عندنا؛ الرجوع إلى الدين.
أفترجع فرنسا إلى دينها، أي إلى كاثوليكيتها، ويظفر الحزب الديني فيها بأكثر مقاعد المجلس النيابي، فلا يُنكِر عليها أحد ولا يتّهمها أحد بالتأخّر ولا يصفها بالجمود؟ (اذكروا أن المقالة منشورة سنة 1946) ونطلب نحن العودة إلى ديننا الحقّ فيقول السفهاء إننا متأخّرون جامدون؟ لا؛ هذا كثير. هذا كُفر بالمنطق وتعطيل للفكر. هذا شيء نستحيي منه أن يكون فينا من يقوله.

الصفحة 326