كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

النهضة العربية. وكان أسبق البلاد إلى هذا التعريب الشام أي سوريا، ثم العراق، ثم حمل العبء الأكبر مجمعُ اللغة العربية في القاهرة.
وكان في مجمع دمشق أوائل العهد بالانتداب الفرنسي لجنة دائمة لتعريب المصطلحات والأسماء، وأذكر أن شيخنا المبارك مرّت معه في الدرس إحدى هذه الكلمات فلم نتنبّه لها، فقال: إن هذه الكلمة كلّفت الدولة مئة ليرة ... يوم كانت مئة الليرة راتب وكيل وزارة.
يا سقى الله تلك الأيام ويا ما أطيب ذكراها، يوم كنّا نراجع في لسان العرب ونحن في السنة الأولى من المرحلة المتوسطة، ونقرأ مقالات الكبار كالرافعي والعقّاد والمازني وطه حسين، فنأخذ عليهم كلمة وضعوها في غير موضعها أو خالفوا فيها عن طريقها. سمعنا في شعر شوقي كلمة «حنايا» ففتّشنا المعاجم فلم نجد إلاّ «أحناء» فأنكرناها عليه. وأنكرنا على خير الدين الزركلي سنة 1925 قوله «سوريا الشهيدة» لأن الفصيح أن يُقال سوريا الشهيد لا الشهيدة، فعلنا ذلك بإرشاد مشايخنا وأساتذتنا الذين قوّموا ألسنتنا وألزمونا حفظ الشعر الجاهلي والإسلامي (الذي لا يُحتَجّ باللغة إلاّ به) والرجوعَ إلى الكتب الكبار.
ألا تعجبون إن قلت لكم إني كنت أخطب ساعة ارتجالاً وأنا شابّ فلا يزلق لساني ولا يزلّ بكلمة ولا آتي بلحن، فصرت الآن بعد هذا العمر كله يسبق لساني أحياناً إلى الخطأ، فإذا سمعته عند إذاعته تحسّرت على نفسي وواريت خجلاً وجهي.

الصفحة 348