كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

الداخلية التي أثارها ابن سبأ، اليهودي المتنكّر بلباس الإسلام. ثم الحروب الصليبية، وهجمات المغول والتتر، وما تعرفون من أمثال ذلك، وأمثالُه كثير. ولكن الإسلام كان ينتفض فيُلقي عنه ما علق، ويشفى ممّا أصابه، ويعود قوياً محفوظاً بحفظ الله.
أمّا الحرب التي تواجه الإسلام الآن فهي أشدّ وأنكى من كل ما كان؛ إنها عقول كبيرة جداً، شريرة جداً، تمدّها قُوى قوية جداً وأموال كثيرة جداً، كلّ ذلك مسخَّر لحرب الإسلام على خُطَط مُحكَمة، والمسلمون أكثرهم غافلون.
يجدّ أعداؤهم ويهزلون، ويسهر خصومهم وينامون. أولئك يحاربونهم صفاً واحداً، والمسلمون قد فرّقت بينهم خلافات في الرأي ومطامع في الدنيا.
يدخلون علينا من بابَين كبيرَين حولهما أبواب صغار لا يُحصى عددها، أمّا البابان الكبيران فهما باب الشبهات وباب الشهوات. أمّا الشبهات فهي كالمرض الذي يقتل مَن يصيبه، ولكنّ سريانه بطيء وعدواه ضعيفة. فما كلّ شابّ ولا شابّة إذا أُلقيَت عليه الشُّبَه في عقيدته يقبلها رأساً ويعتنقها.
أمّا الشهوات فهي داء يُمرِض وقد لا يقتل، ولكنه أسرع سرَياناً وأقوى عدوى؛ إذ يصادف من نفس الشابّ والشابّة غريزة غرزها الله وغرسها لتُنتج طاقة تُستعمل في الخير، فتنشئ أسرة وتُنتج نسلاً وتقوّي الأمّة وتزيد عدد أبنائها، فيأتي هؤلاء فيوجّهونها في الشرّ، للّذّة العاجلة التي لا تُثمِر. طاقة نعطلها ونهملها ودافع أُوجد ليوجَّه إلى عدوّنا لندافع بها عن بلدنا، فنحن

الصفحة 350