كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

عودة إلى موضوع المدارس: القاعدة عند الحَنَفية أن «الشروع مُلزِم»؛ فمن شرع في نافلة لم تُفرَض عليه وجب أن يُتِمّها لشروعه بها. وأنا مذهبي في الأصل حنفي، نشأت عليه وتفقّهت فيه، ولكن لا ألتزم به الآن التزاماً كاملاً بل أتبع الدليل الأقوى من الكتاب والسنّة حين أتوثّق من قوّة الدليل.
لذلك أكمل الحديث عن المدارس الحكومية.
لقد مشت هذه المدارس على غير الجادة واتجهَت غير الاتجاه الذي يوجب علينا دينُنا أن نتجه إليه، والمشايخ وأهل الدين دائبون على إنكار منكَرها ومحاولة إصلاحها. حتى إن منهم من يئس منها يوماً من الأيام فدعا إلى مقاطعتها وإخراج الأولاد منها، وفتح مدارس لهم تنشّئهم على ما يريده الشعبُ الذي ينفق على هذه المدارس، وربُّ هذا الشعب الذي يريد منّا أن نتبع دينه الحقّ الذي ننجو به من العذاب يوم القيامة.
وكان ذلك سنة 1343هـ، من أكثر من ستين عاماً، لمّا قام الشيخ علي الدقر والشيخ هاشم الخطيب بما دُعي «نهضة المشايخ» التي سبق الكلام عنها. خرج يومئذ مئات من الأولاد من مدارس الحكومة، وافتتح الشيخان مدرسة ابتدائية في الريحانية، ثم نقلاها إلى مكان المدرسة التجارية التي كان أبي مديرها ولكنهما جعلاها مدرسة ابتدائية.
ثم أدركَت الشيخَين علّة الانقسام فبقيَت التجارية للشيخ هاشم وأنشأ «جمعية التهذيب والتعليم» التي تُمِدّها وتسندها، وبقيَت «الجمعية الغرّاء» للشيخ علي وافتتح مدرسة «سعادة الأبناء»

الصفحة 359