كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

ساعة في الأسبوع أو ساعتين لتدريس هذه المادّة لصُعق من دهشته وقال: وماذا أصنع بساعتين؟ هل أدرّس فيهما الحساب أم الهندسة أم الجبر، أم ماذا؟ وكلّ علم من هذه العلوم يحتاج إلى أكثر منها؟ فكيف نطالب مدرّس الدين أن يوسع ساعتين لهذه العلوم كلها؟
وسيضحك كثير من «التقدميين» من هذه المقابلة، لأنهم تعوّدوا أن يروا الدين دائماً في المرتبة الثانية، ولأنهم رُبّوا على احترام هذه العلوم وتقديمها. ولكن هل هذه هو الواقع، أم أنهم هم المخطئون؟
الصحيح أنهم هم المخطئون. وأيسر دليل على خطئهم أنهم يحكمون على الدين من غير معرفة به أو اطّلاع عليه. ولو حلّلتَ ما في نفوس هؤلاء الإخوان لوجدت أنه ليس للدين في نفوسهم إلاّ صورة مشوّهة، رسمها فيها بعض من عرفوا من جهلة المشايخ ومن سخفاء العامّة الذين يدّعون التدين والصلاح. ولقد صرّح لي بهذا الأستاذ ساطع الحصري في حديث طويل كان بيني وبينه، حيث كان يسكن في مصر في شارع شريف باشا سنة 1947، بحضور الأخ الأستاذ نهاد القاسم، ونشرتُه في يومه.
ونحن نُقِرّ بهذه المبادئ الغربية التي تقول بفصل الدين عن العلم، والدين عن السياسة. إنها صحيحة بلا شكّ، لكن بشرط أن نفهم معناها عند مَن وضعوها. إن الغربيين الذين وضعوا هذه المبادئ يقصدون بالدين ما يحدّد صلة الإنسان بالله فقط. ومن هنا قالوا: «الدين لله والوطن للجميع». ونحن نقول مقالتهم ونفصل بين الدين الذي هو الصلاة والصيام، أي العبادات، وبين السياسة

الصفحة 362