كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

شيئاً ولا يقدر على شيء، قد نادى المنادي: لِمَن المُلك اليوم؟ فكان الجواب: لله الواحد القهار.
ولا تحسبوا أن هذا الشعور يلازمني دائماً. هيهات! ولا أني كثيراً ما أحسّ به. إنما هي نفحات نادرة تهبّ عليّ، كان هذا الموقف واحداً منها.
بدأ شيخنا المفتي الكلام وعرض لرواتب «أرباب الشعائر»، فخفت أن يتحوّل المجلس عن غايته وأن ننتقل من المطالبة بإصلاح عامّ إلى مصلحة تكاد تكون شخصية، فلم أملك إلاّ أن رفعت صوتي فقلت له: يا سيدي، ما لهذا جئنا. فقال الشيخ أبواليسر: وهذا أيضاً ممّا جئنا له.
وخشيت أن يفلت الأمر من يدي فالتفتّ إلى الحاضرين، وكانوا نحواً من خمسين من كبار علماء سوريا، فقلت لهم: يا إخوان، ألهذا جئتم؟ فصاحوا قائلين: لا، ما جئنا من أجل الرواتب ولكن جئنا مدافعين عن الدين وعن الأخلاق ومطالبين بالإصلاح.
فسكت المفتي وأمسكت أنا بزمام الكلام، فقلت للوزير: هل تعلم سيادتك أننا لسنا هنا أحراراً، كلّ واحد منّا مراقَب يُبعَث إليه من يُحصي عليه حركاته وسكناته، فكيف نعيش مطمئنّين آمنين ألاّ تصيبنا جائحة؟ حتى أنت، إن معك اثنين يراقبانك ويرفعان عنك تقريراً بكل ما تقول أو تفعل.
لمّا قلت هذا وجدت الحاضرين قد دُهشوا، حتى ظنتهم حسبوني جُننت أو أني لم أعُد أدري ما أقول. ثم قلت له: وهذا

الصفحة 384