كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

التقرير لا يُرفَع إلى سيادة الرئيس، بل إلى ربّ الرئيس وربّ العالَمين، يُعلَن على رؤوس الأشهاد يوم الميعاد، يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا وزارة ولا رياسة. فأرجو ألاّ تهيّئ جواباً يرضينا الآن بل تُعِدّ الجواب لربّ الأرباب يوم الحساب.
لم أقُلها بلساني كما أقولها الآن بل نطق بها قلبي وإيماني. وسرَتْ في جوّ المجلس كهرباء الإيمان، وإن أكُن أنا مطلقها فإن مدّخرتي (أي بطاريتي) صغيرة إن قيست بأمثالها ممّا عند الحاضرين. وما ظنّك بأمثال الشيخ محمد الحامد، والشيخ أبيغدة، والشيخ العاني، والسيد المكي الكتاني، ومَن لا أذكر الآن اسمه ولكن الله يذكره ويشكره؟
إن ذاكرتي بصرية، فكأنني حين أكتب هذا الكلام أتصوّر المجلس الكبير الذي كنّا فيه، وفي الزاوية التي كنت فيها المفتي وفي المقابلة لها الوزير، وكأنني أرى المشايخ وهم يتكلّمون من أماكنهم. وكانت جلسة روحية إيمانية، وسأل الوزير أحد الإخوة المصريين مِمّن كانوا يعملون في سوريا عن بعض ما قلت، فدنا من أذنه يسارّه، فخفت أن يلقي فيها ما يُفسِد به علينا ما جئنا له فقلت له جهراً: يا سيادة الوزير، لا تسمع منه. إنه صديقي، ولكنه هو وأمثاله يغشّونك ويغشّون سيادة الرئيس. الشعب هنا ناقم والأمة تغلي غضباً لله وللأخلاق، وهؤلاء يكذبون عليكم ويكتمون ذلك عنكم.
فأصابه هو ومن معه من هذا الكلام ذهول، لم يعُد يدري معه ماذا يقول. ومرّت ساعتان وعشر دقائق، وهمّ الوزير بالقيام

الصفحة 385