كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

فيه التجوّل، ثم نقرأ في التقرير الرسمي أو نسمع في الإذاعة الحكومية، أن الأمن شامل والسكينة عامّة والناس كلهم بخير!
والمشايخ عندنا كثر. وأنا أشاركهم الدعوة الإسلامية العامّة التي تجمع وأُجانب في التفصيلات التي قد تفرّق، ثم إني لا أزاحم شيخاً على مشيخته، بل إنها لو عُرضت عليّ لأبيتُها، بل لقد عُرضت عليّ غير مرة فتملّصت منها وابتعدت عنها.
لذلك كنت صديقاً للجميع وكنت أقدر الناس (والحمد لله) على جمعهم. حتى إن الشيخ أمجد الزّهَاوي رحمة الله عليه جاءنا مرة مع الصديق الشيخ محمد محمود الصوّاف، فقابلتهما في الفندق الذي نزلا فيه بعد العصر، فثار عليّ الشيخ الزّهَاوي ثورته المعهودة التي تبعثها الغيرة على دين الله والحماسة في الدعوة إلى الله، وقال: أفندي، إنتو قاعدين ما تعملون شيء. لماذا لا يجتمع العلماء ويُصلحون؟
قلت له: كم مرة اجتمعوا فكان اجتماعهم بأجسامهم وحدها وأرواحُهم متفرّقة، فما أفاد اجتماع. قال: أنت، عليك أنت أن تجمعهم والنجاح على الله. قلت: سأجمعهم لك الليلة إن شاء الله بعد العشاء.
واتصلت بهم واحداً بعد واحد، من أقصى جماعة السلفية إلى أقصى جماعة الصوفية، ودعوتهم إلى الاجتماع في دار الحديث الأشرفية بعد العشاء، فما تخلّف منهم أحد. وتكلّمت أقدّم إليهم الشيخ أمجد، فتكلّم الشيخ أمجد كلاماً كله إخلاص، ثم تكلّم الشيخ الصوّاف باندفاعه وحماسته وجهارة صوته حتى

الصفحة 387