كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

لا تنفع قلب من يصاحب الأشرار ويخالط الفُسّاق الفُجّار. ولا بد للمريض من حِمية ولا بد له من عزلة، فلنحمِ أنفسنا عن المُغريات والمُغويات، ولنعتزل الضالّين المُضِلّين والفاسدين المُفسِدين، من الآن إلى أن يتمّ لنا العلاج.
وأمراضنا الروحية على ضربين: ضرب يأتي عن طريق العقل وضرب يجيء عن طريق الغريزة، يعمل لكل منهما إبليس وأعوانه من شياطين الجنّ وشياطين الإنس. وأنا أُجمِل الآن ولا أفصّل، وأشير ولا أبيّن، لأن ما أقوله اليوم هو مقدّمة المتن، وسيأتي المتن والشروح والحواشي إن شاء الله ووفّق إلى استمرار هذه المجالس.
لقد ظهرَت فينا أفكار غريبة عنّا ما كنا نعرفها ونحن صغار، أفكار جاء بها الاستعمار وصنائع الاستعمار، من الذين تربّوا في تلك الديار.
منها قولهم «الدين لله والوطن للجميع»، يجعلون الدين مفرِّقاً والوطن جامعاً والدينَ فرعاً والوطن أصلاً. مع أن الدين لله، هو يشرعه وهو ينزله: {ألا للهِ الدينُ الخالصُ}، {ويكُونَ الدينُ للهِ}. والدين لنا أيضاً يهدينا ويدلّنا: {اليومَ أكملتُ لكم دينَكُمْ}، {أتعلّمونَ اللهَ بدينِكُم؟}.
والوطن في نظر الإسلام ليس التراب ولا الحجارة ولا السهل ولا الجبل، ولكن وطن المسلم حيث تسود أحكام الإسلام: {إنّ الذينَ تَوَفّاهُمُ الملائِكةُ ظالمي أنفسِهِمْ، قالوا: فيمَ كنتم؟ قالوا: كنّا مُستضعَفينَ في الأرضِ. قالوا: ألم تكنْ أرضُ اللهِ واسعةً فتهاجروا فيها؟}.

الصفحة 395