كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

ومنها قولهم بفصل الدين عن السياسة وفصل الدين عن العلم، يترجمون هذا الكلام عن غيرنا ويردّدونه ترديد الببغاوات، ولا يعرفون ماذا يريد أصحاب هذا الكلام بالدين. الدين عندهم هو ما يحدّد صلة الإنسان بالله، أي أن الدين هو العبادات عندنا، والعبادات (أي الصلاة والصيام) لا تدخل في السياسة ولا تدخل السياسة فيها. ولكن الإسلام ليس عبادات فقط؛ الإسلام فيه العبادات وفيه المعاملات، وفيه المناكحات وفيه العقوبات، وفيه الحقوق الدولية العامة والخاصة، وفيه الأخلاق وقواعد السلوك. فإذا لم نُدخِل السياسة في صلاتنا وصيامنا فهل نستطيع ألاّ نُدخِل في سياستنا آيات ربنا التي أنزلها علينا في قرآننا؟ هل نستطيع أن نحذف من سورة براءة أو الأنفال الآيات التي توجّه سياستنا الدولية؟
ولا تؤاخذوني إذا أعدت كلاماً قلته من يوم أصدرت أوّل كتاب لي سنة 1348هـ، ولا أزال أقوله، وهؤلاء لم يستطيعوا أن يفهموه إلى الآن.
(إلى أن قلت): أمّا المرض الذي جاءنا عن طريق الغرائز والشهوات فإن له قصّة. وقصّته أن طائفة من الشباب الذين تربّوا في فرنسا وفي غير فرنسا، ورأوا فيها ذلك الانطلاق وذلك التحلّل، ورأوا أنهم ما تمنّوا لذّة إلاّ نالوها ولا اشتهوا منهنّ واحدة إلاّ وصلوا إليها، فعشقوا تلك البلاد ورأوها جنّة من جِنان الشيطان.
فلما عادوا لم يستطيعوا أن يعيشوا في بلدهم الذي عادوا إليه

الصفحة 396