كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

وهم يرون الجميلات ولا يقدرون على التمتع بهنّ، ولا يريدون (أو لا يقدرون) أن يقتصروا على الحلال القليل بعد استمتاعهم هناك بالحرام الكثير. وضاق عليهم الأمر واشتدّت الحال، وعاشوا من لذع الشهوة التي تتوقد نارها في قلوبهم عيش العذاب، فلما اشتدّ الضيق جاءهم الفرج.
قلنا لهم: تعالوا أنتم من دون الناس جميعاً فأشرِفوا على بناتنا في مدارسهن، لقد جعلنا إليكم أمر تربيتهن وتعليمهن وأمر ثقافتهن وإرشادهن. كما كلّفناكم، أنتم وحدكم، رعاية شبابنا وتوجيه أبنائنا في الصحف وفي الإذاعة، وهذا الذي جاءنا حديثاً ولم نكن نعرفه من قبل وهو الرائي (التلفزيون). فطارت عقولهم من الفرح وأطلقوا لشهواتهم العنان، وأحسّوا بمثل ما يحسّ به الذئب الجائع الذي يشتهي قضمة واحدة من لحم النعجة، ينام بإحدى مقلتيه يحلم بها وينظر بالثانية من بعيد إليها، فقلنا له: تفضّل يا حضرة الذئب المحترَم فأشرِف أنت على هذا القطيع الذي تمشي فيه مئة نعجة.
لقد سلّمناهم بناتنا وقلنا لهم: وجّهوهن الوجهة التي تشاؤون واصنعوا بهنّ ما ترون أنه أنفع لهن. فأخذوهن يرقصن لهم، يسافرنَ معهم، ويكشفنَ عن المستور من أعضائهنّ أمامهم، واخترعوا لذلك أسماء شيطانية هي «النهضة الفنية» و «النشاط الرياضي» و «الروح الجماعية» و «المقاومة الشعبية»، وأسماء أخرى ليس لها كلها إلاّ معنى واحد هو التمتّع ببناتنا بعد أن حُرِموا التمتع ببنات فرنسا وغيرها من بلاد الغرب.

الصفحة 397