كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

كان؟ إن من أشكل المشكلات -يا سادة- توضيح الواضحات، ولكنني مع ذلك أوضّح لكم الواضح فأسأل: ما هو الرقص وما منشؤه؟
منشأ الرقص هو الحركاتُ التي كان يعملها قديماً الجواري المملوكات والبغايا الفاسدات لإثارة الرجال وتحريك الغرائز، ثم تهذّبَت شيئاً فشيئاً وصارت تقع مع أنغام الموسيقى وغدت فناً من الفنون. ومَن تأمّل الأعضاء التي تُحرَّك في الرقص وما يمكن أن يكون لها من دلالة تبيّن هذه الحقيقة التي ذكرتُها.
وأنا أفهم أن يكون في البلد مرقص لأهل اللهو، هذا ما تعلّمناه من أوربا! أما أن تتحوّل المدرسة التي أُقيمت للدّين وللأخلاق وللعلم، أن تتحوّل المدرسة إلى مرقص؟ فهذا الذي لا أستطيع أن أفهمه ولا أن أهضمه.
وأنا أفهم أن يكون في البلد امرأة فاسدة يُغوِيها الشيطان فتشتغل بالغناء للرجال والرقص أمامهم، وأن يكون فيه نساء شريفات عفيفات ديّنات صيّنات لا يصل إليهن الرجال ولا يقدرون على المتعة بهنّ إلاّ بالزواج الحلال. ولكني لا أستطيع أبداً أن أفهم كيف تصير الطالبة الشريفة هي المغنية الراقصة؟
ونحن جميعاً نعلم أن الشابّ العَزَب يتخيّل المرأة في خلوته فيُجَنّ بخيالها، ويتمثلها ويهيج لرؤية مثالها، وإذا هو رآها أثاره على البعد مرآها، وإن لمس طرف إصبعها هزّت اللمسة جسده وجسدها ... فكيف تكون حاله وحالها عندما نُقيمها أمامه على المسرح، ونُلقي ساطع الأنوار عليها، ونأمرها أن تحرّك كتفها

الصفحة 400