كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

والرافعي والزيات والبشري وكرد علي وأمثالهم من أئمة البيان، مع صعوبة حفظ النثر وتفَلّته من الأذهان. أمّا ما أحفظ من الشعر فكثير كثير، وإن لم يبقَ منه إلاّ القليل، على أن هذا القليل الذي بقي في ذهني كثير والحمد لله.
* * *
وممّا حبّبني بالجزائر أن جدّنا الذي قدم الشام من مصر سنة 1250هـ كان من جماعة الأمير عبد القادر، وكان مربّياً لأولاده، وكان مفتياً عنده يأخذ راتبه منه، فلما مات الأمير قبله بمدّة يسيرة أبى أن يتسلم الراتب الذي جعلَته له الدولة، وطفق يبيع من كتبه ما يعيش بثمنه حتى توفّاه الله.
وما نقله الأستاذ أكرم من حديث العقيد عطاف الجزائري عن الرئيس شكري بك كنّا نسمعه من الثوّار أيام الثورة السورية سنة 1925، وكنّا طُلاّباً في الثانوية.
ولقد سمعت من عمّي الشيخ عبد القادر الطنطاوي من قديم خبراً ما حقّقته ولا توثّقت منه، هو أن أصل أسرتنا من الجزائر. ولعلّ ما عندنا من الحِدّة يشير إلى ذلك، وقد كان جدنا الشيخ محمد الطندتائي (وطندتا هو الاسم القديم لطنطا) يذكر الجزائريين مرة أمام الأمير ويثني على خلائقهم وسلائقهم، واستثنى واحدة. فصرخ به الأمير وقد اعتراه غضب مفاجئ فقال: "وِشْ هيّه؟ " قال جدّنا باسماً: "هذه هيه".
يعني هذه الحدّة التي عُرف بها الجزائريون والتونسيون،

الصفحة 53