كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

والتي ورد في خبر لم يصحّ أنها تعتري خيار أمّة محمد عليه الصلاة والسلام. ومن كان حديد المزاج (يثور بسرعة وتهدأ ثورته بسرعة) لا يكون ماكراً ولا حاقداً ولا يكون في قلبه غِلّ على أحد، لأنه يوفي كل واحد حسابه من ساعته فلا يبقى له عند أحد دَين يحقد عليه به.
وكان للأمير أحفاد في دمشق أدركت منهم اثنين وانعقدَت المودّة بيني وبينهما، وإن كنت في سنّ أولادهما: الأمير طاهر الذي كان له مجلس أسبوعي يحضره كما يحضر أمثالَه (وكان لهذا المجلس أمثال في دمشق) أكابرُ الوجهاء وأفاضلُ العلماء. والأمير طاهر هو والد الصديق الأمير جعفر الذي لبث أمداً طويلاً أمين المجمع العلمي العربي في الشام.
والثاني هو الأمير سعيد الذي كانت صلتي به أوثق، وكنت أزوره في داره في زقاق النقيب ويتفضّل فيزورني في داري في الجبل. وفي زقاق النقيب كانت دار الأمير عبد القادر الجزائري التي صارت بعدُ الكلّية الشرعية، ودرّست فيها، ثم اشتراها السيد مكي الكتاني.
صحبت الأمير سعيداً في السفر والحضر وعاشرته معاشرة عرفته فيها من قرب. والأمير سعيد هو الذي أعلن قيام الحكومة العربية في الشام سنة 1918، يوم كنت تلميذاً في آخر المدرسة الابتدائية وأول المدرسة التالية، وبقي يأمل أن تقوى الدعوة إلى الملَكية في الشام وأن يكون هو الملك عليها. وعرف ذلك ناسٌ هم في البشر كالطُفَيليات في الحشرات والنباتات: تعيش على غيرها،

الصفحة 54