كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

من العراق الشيخ أمجد الزهاوي وجماعة، وفيه من لبنان الرجل الذي أنشأ «النَّجّادة» المسلمة ليقابل بها الكتائب النصرانية (وقد نسيت اسمه وهو مشهور)، مرّ هذا الوفد في دمشق في طريقه إلى مصر لمقابلة جمال عبد الناصر وحثّه على نصرة الجزائر في جهادها، وكان ذلك قبل أن تستقلّ الجزائر، فانتخبوا اثنين من الشام ليكونا فيه هما الأمير سعيد وأنا.
وقد ذهبنا إلى مصر وقابلنا جمال عبد الناصر مقابلة طويلة في دار صغيرة لم أعُد أعرف أين هي. وقد استولى علينا بما توهّمناه صراحة كاملة في الحديث، وإخلاصاً نادراً لله وللإسلام، وشبه سذاجة فيه. ورجعنا نثني عليه ونرى فيه المثل الكامل للحاكم المرجوّ، ثم تبيّن أننا الذين كانوا السذّج المخدوعين، وأنه لعب بنا وضحك علينا ولفّنا بلسانه المعسول. وأُخِذت لنا معه صورة تذكارية هي عندي، ولكنها اختفت الآن بين أوراقي.
* * *
وأنا الآن في معرض التمثيل لأساليب كتابتي الماضية بفقرات أنقلها منها أمثّل بها عليها، وهذا كلام ممّا أذعت وكتبت يومئذ عن الجزائر، إن كان في بعضه ما يمسّ فرنسا اليوم فهو كلام مؤرّخ لا سياسي، والمؤرّخ يصف ما كان وما ليس له فيه يدان، والسياسي يتكلّم فيما هو كائن أو يسعى ليكون، وفرنسا التي كتبت عنها ما أنقله الآن غير فرنسا اليوم.
فقد كان قُوّادها في الجزائر يُسيئون بفعلهم إليها، ثم انكشف الستار فتبيّن أن الفرنسيين غضبوا منهم كما غضبنا. ثم أعلن هؤلاء

الصفحة 56