كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

القُوّاد تمرّدهم على حكومتهم (حكومة ديغول) ونشوزهم عن طاعتها، وكان من التاريخ ما تعرفون. ثم إنني أنقل هذا الكلام اليوم لأمثّل به على الأسلوب لا لأعيد مضمونه ومعناه.
لمّا خطفَت فرنسا الزعماء الخمسة الجزائريين (بن بيللا وأصحابه)، وكنت يومئذ أحدّث في إذاعة دمشق بعد صلاة الجمعة حديثاً، استمرّ عشرات من السنين وكان له جمهور كبير من المستمعين، أملى عليّ الغضب ممّا صنعوا والنصرة لإخواني في الدين وفي اللسان ولأخلاق الفروسية التي انتقص منها، فقلت من حديث أذيع يومئذ (¬1):
إن فرنسا لم تعُد تبالي، لأنها لمّا خسرت بطولة الميدان ولم يعُد يعرف تاريخُها الحديث إلاّ الهزائم، جاءت تستردّ اعتبارها وتُثبِت بطولتها على العُزّل الأقلاّء المطالبين بحقوقهم، وجاءت تجرّب فيهم سلاحها. هل قلت سلاحها؟ إنها زلة لسان أعتذر إليكم منها، لا، ليس سلاحها. لم يبقَ لفرنسا سلاح، ولكنه السلاح الذي استجدَته فرنسا، الذي «شحدته شحادة» من أميركا لتحمي به استقلالها من الألمان أن يطؤوها بنعالهم مرة رابعة كما وطئوها في حرب السبعين، وحرب أربع عشرة، وحرب تسع وثلاثين.
¬__________
(¬1) ما يأتي هو حديث «مجزرة الجزائر»، وهو منشور في كتاب «هتاف المجد»، وليس هو الحديث الذي أذاعه علي الطنطاوي يوم اختطفت فرنسا زعماء الجزائر، بل إن ذاك هو حديث «فرنسا والجزائر» المنشور في «هُتاف المجد» أيضاً والذي ستأتي منه فقرات بعد قليل. وأحسب أن جدي رحمه الله قد سها في تعليقه هنا فخلط بين الحديثين (مجاهد).

الصفحة 57