كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

العقلاء جداً؟ أهي فرنسية بشعبها؟ أهي فرنسية بلغتها؟ لقد فشت لغتكم فيها ولكنها ثوب مستعار وعاريّة مستردّة، وستعود إلى أصلها، إلى عروبتها.
أهي فرنسية بتاريخها؟ الشعب فيها عربي واللغة عربية والدين إسلامي، وكل حَجَر من جبالها وكل رملة من صحرائها، والتاريخ الذي مضى والمستقبل الذي سيأتي، كل هذا يكذّب هذه الدعوى الوقحة الكاذبة البذيئة، دعوى أن الجزائر قطعة من فرنسا. وأقرب من هذه الدعوى بمئة مرة أن يدّعي الطليان أن فرنسا قطعة من إيطاليا.
إن إيطاليا إن قالتها أيّدتها اللغة: كلتاهما لاتينية، والإيطالية أقرب إلى الأصل. وأيّدها تاريخ يوليوس قيصر وبومبي وأن فرنسا بقيَت قروناً وهي تابعة لروما. فماذا يقول الفرنسيون لو ادّعت إيطاليا هذه الدعوى؟ وماذا لو كانت إيطاليا أقوى وساقت قُواها لتذبح الفرنسيين الذين يدافعون عن حرّية بلادهم؟
وبعد يا أيها المستمعون (¬1)، فما أخاف على الجزائر. إن الجزائر تبدأ في كتاب المجد صفحة جديدة، وأنتم تختمون كتاب أمجادكم بصفحاته كلها. إن ذخر المسلمين من البطولة لن ينقطع أبداً حتى يستكملوا تحرير بلادهم، ثم يكتبوا في تاريخ الدنيا مثل الصفحة التي كتبها جدودهم.
إن الاستعمار قد مضى وقته، مضى. إنه بناء من الثلج أقمتموه خلسة في ظلام الليالي الطوال من كانون (ديسمبر)، وقد
¬__________
(¬1) هذه أحاديث أُذيعَت من إذاعة دمشق أيام نضال الجزائر.

الصفحة 60