كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

سطعَت الآن شمس آب (أغسطس) فلا تصمد بيوت من الثلج لشمس آب. لقد تحرّرَت آسيا كلها واستقلّت أُمَمُها وشعوبها، وسيتحرّر الشمال الإفريقي المسلم وتعود أرضه كما كانت، ثم يأتي يوم ترجع فيه أرض فرنسا موطئَ أقدام الجنود المسلمين. لقد كنّا نحن الحاكمين يوماً في قلب فرنسا من البيرنة (جبال البرنس) إلى بواتيه، وكنّا نملك حفافي البحر المتوسط الذي كان يُسمّى تارة بحر الروم وتارة بحر العرب.
أنا لا أخاف على الجزائر بل أخاف عليكم أنتم. ليس أمامكم أهل الجزائر وحدهم بل المغرب المسلم كله، بل ديار العروبة من أقصاها إلى أقصاها، بل المسلمون في كلّ الأرض، بل الناس جميعاً، الناس الذين لا تزال في صدورهم قلوب ولا تزال في قلوبهم ضمائر. أمّا الذين فقدوا الإنسانية وأضاعوا القلوب، أما الجُثَث التي تمشي إلى المادّة وحدها فستقتلها المادّة التي تمشي إليها.
وسيستيقظ العرب كلهم والمسلمون جميعاً، وسيقاطعون كل شيء فرنسي ويرونه رجساً يدنّس طهرهم وناراً تحرق بيوتهم، وسيجاهدون حتى تشهد الدنيا جلاء آخر جندي فرنسي من المغرب العربي كله كما جلا آخر جندي عن أرض الشام. وما يوم الجلاء عن المغرب ببعيد.
* * *
هذا بعض ما كنت أقوله وأذيعه أيام كان الجزائريون يجاهدون في سبيل تحرير أرضهم.

الصفحة 61