كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

الشباب جنوده، نأتمر بأمره ونمشي وراءه. وكانت لي -على ذلك- حظوة عنده ودالّة عليه، لأنه رأى أنه لا مطمع لي من الصلة به، وأني ليس لي طلب أطلبه منه، لا أطلب منصباً ولا مالاً. لذلك كان يسمح لي أن أبيّن له إن رأيت في عمله أو في عمل حكومته ما أظنّه مخالفاً للشرع أو مجانباً طريق الحقّ. وكان الرجل مؤمناً مقيماً للفرائض مجتنباً للكبائر، وإن كان إيمانه إيمان العوامّ، لا يخلو من بعض البدع وبعض الأوهام.
وأنا قد دنوت الآن في ذكرياتي من مرحلة الخطر. ذلك أني أذكر الحقّ عن رجال منهم القليل الذي بقي، ومَن ذهب إلى رحمة الله بقي أبناؤه أو إخوانه الذين يريدون أن تكون هذه الذكريات قصائد مدح كمدح الشعراء للخلفاء، ولا يحتملون نقداً ولو كان يسيراً ولو كان حقاً. ولقد ترددت بين أن أسايرهم وأرضيهم بعض الرضا وبين أن أقول كلمة الحقّ ولا أبالي، فآثرت أن أقول كلمة الحقّ. وأستاذنا محمد كرد علي رحمة الله عليه لبث يكتب أكثر من ستّين سنة وجلّ القُرّاء راضٍ عنه مُحِبّ له، فلما نشر مذكّراته وتعرّض فيها لبعض الأحياء أثار عليه نصف الناس وهاجموه وكتبوا عنه، ومن هؤلاء الذين كتبوا عنه الأستاذ أحمد أمين والأستاذ الزيات.
أعود إلى موضوعي: شكري بك رحمه الله أقام أسبوعاً للجزائر، ثم جعل لها احتفالاً كبيراً حضره وجوه الناس. ولقد كُلّفت الخطابة فيه، ولولا الخجل لقلت إن خطبتي كانت هي الخطبة الرئيسية، كما كانت خطبتي في «أسبوع التسلح»، وربما جاء حديثها.

الصفحة 71