كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 5)

وكنت قد شرعت من يومئذ أخطب ارتجالاً بعد أن كنت أدون الخطبة تدويناً، وارتجلت خطبتي عن الجزائر. ولكن لمّا أُذيعت الحفلة من الإذاعة السورية تفضل أحد الإخوان فكتب الخطبة وأهداها إليّ مكتوبة، ففرحت بها كأني أُعطيت بها عطيّة، وتمنّيت لو أن مثل هذا الأخ الكريم كتب أمثالها من خطبي، أو لو أن مُحسِناً آخر يستخرج من أشرطة الإذاعة والرائي بعض أحاديثي الآن في برنامجَيّ الاثنَين «نور وهداية» و «مسائل ومشكلات»، ويكتبها ثم يعرضها عليّ فأنقّحها وأصحّحها وأجعل له شطر أرباحها إذا هي طُبعت لبيعها، أو دعوت الله أن يكون له حظّ من ثوابها إذا نُشرت مجّاناً للثواب (¬1).
أنشر الآن فقرات من هذه الخطبة لأن فيها مثالاً لأسلوبي في الخطب، ولأنه لم يطّلع عليها واحد في الألف من قُرّاء «الشرق الأوسط» ومن كان قد سمعها منهم قبل أكثر من ثلاثين سنة أنسته مشاغله ومطالب حياته ما كان قد سمعه منها، ولأن فيها وصفاً لما كنّا فيه يومئذ وصوراً من حياتنا.
قلت في أولها لمّا استقبلني الجمهور بتصفيق استمر أكثر من أربع دقائق، وأنا أشير بيدي شاكراً ومسلّماً وراجياً وقف هذا التصفيق (¬2):
¬__________
(¬1) صنعتُ ذلك في كتاب «فتاوى علي الطنطاوي: الجزء الثاني»؛ أخذت أحاديث من برنامجَي الإذاعة والرائي هذين فكتبتها وبوّبتها ونشرتها. ولها قصة أودعتُها صدر الكتاب فمن شاء رجع إليها هناك (مجاهد).
(¬2) انظر مقالة «في افتتاح أسبوع الجزائر»، وهي في آخر كتاب «هتاف المجد» (مجاهد).

الصفحة 72